حسين علي الحمداني واحدة من أهم الملاحظات التي يمكننا أن نخرج بها ونحن قد تابعنا لحظة بلحظة الحدث الأبرز في عام 2011 وهو مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ، إن الجميع صدّق الرواية الأمريكية بمن فيهم أتباع هذا الإرهابي ، إذن غابت مفاهيم ربما توقعنا أن يطرحها البعض من الذين يشككون في كل شيء، كأن يقول بعضهم بأنه شبيه بن لادن
وما أكثر الأشباه في حياة الأمة العربية، لكن كما قلنا كانت أمريكا حاسمة في ضربتها وفي خطاب رئيسها وصراحتها في إلقاء جثة بن لادن ودفنه في البحر لكي لا يكون رمزا لمحبي العنف وسفك الدماء وحسناً فعلت واشنطن هذا، فكل أسرار بن لادن ذهبت معه وما وجد من مقتنيات في بيته الفاخر أصبح الآن بيد الأمريكان الذين بالتأكيد سيفحصون كل صغيرة وكبيرة . لهذا لا شكوك ولا روايات غير الرواية الأمريكية التي وجدت من يؤكد صحتها بمقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن صباح يوم الثاني من آيار 2011، لتطوى صفحة كانت الأكثر دموية في العقدين الماضيين ، صفحة بن لادن طويت ولكن بقيت للإرهاب صفحات أخرى بحاجة لأن نتوقف عندها .بن لادن لا يختلف كثيرا عن الطغاة العرب الذين أزالت بعضهم نهضة الشعوب في ثوراتها الشبابية والشعبية معاً ، هو جزء من نتاج منظومة فكرية مبنية على القمع ومصادرة حرية الآخرين ونفي الآخر ، لأن هذا الرجل أسس لفكر طالما تبنته الأنظمة الدكتاتورية التي وجدت في بعض رجال الدين من ينظر له ويجعل منه إنموذجاً انتشر بسرعة في وسط الشباب العربي في حقبة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان .هذا الاحتلال الذي كان السبب الرئيسي في تكوين النواة الأولى لتنظيم القاعدة برعاية أمريكية ودماء وأموال عربية وفتاوى سياسية أكثر مما هي دينية من دول عرفت بعدائها للشيوعية آنذاك وأخذت من احتلال أفغانستان قضية ( جهادية )، بينما لم نجدها تأخذ من القضية الفلسطينية ذات المنحى، وهذا أمر شكّل نقطة توقف عندها الكثير من المحللين في الربط بين الجهاد في أفغانستان ضد الروس وبين المهادنة في القضية الفلسطينية وغيابها عن مفهوم وعقيدة تنظيم القاعدة .لهذا يمكننا القول بأن أسامة بن لادن كشخص والقاعدة كتنظيم لم يكونا نتاج الإسلام بقدر ما هم نتاج حقيقي للفكر القومي العروبي الشمولي الذي ساد المنطقة العربية في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي ليتواصل مع الألفية الثالثة، مانحاً نفسه الوصاية ليس على العرب وحدهم بل على عموم المسلمين وفارضاً رأيه القسري على غير المسلمين أيضا من باب إقامة ( دولة الخلافة)، لهذا فهو امتداد طبيعي حتى في شعاراته التي يرفعها والتي تشبه إلى حد كبير شعارات الزعماء العرب وخطاباته تشبه خطاباتهم وحبه للظهور الإعلامي يلتقي مع حب الطغاة أيضاً. هذا النتاج مكن من أن يكون بن لادن الشخصية الأولى المتداولة في وسائل الإعلام منذ أحداث سبتمبر 2001 وحتى يوم مقتله الذي توقعناه بين لحظة وأخرى لأسباب عديدة أولها: بالتأكيد بأنه جزء من منظومة فكرية سياسية تهاوت في ربيع العرب الذي ما زال مستمراً حتى يومنا هذا ، وتهاوى الأنظمة التي لا تختلف معه وتسانده على الأقل فكريا وإعلاميا يعني في ما يعنيه إن نهايته حتمية مما يؤدي بالتأكيد لرفع الغطاء عنه ليصبح مكشوفا جدا أمام من يطارده ، وهذه الحالة ربما لم ينتبه لها أحد ، في الأشهر الماضية وجدنا الكثير من الخلايا والمجاميع الإرهابية في العراق تفقد الداعم الرئيس والحاضن لها ، ما دفع بعضها لإلقاء السلاح طواعية أو مجبرة، الشيء الآخر بأن هذا التنظيم يعتمد في جزء كبير من تمويله على أموال عربية تصله بطريقة أو بأخرى وتجفيف بعض هذه المنابع من قبل الأمريكان والأوربيين في نطاق الحرب على الإرهاب جعلت هذا التنظيم يفقد إمكانية القيام بعمليات نوعية في دول أوروبا وأمريكا واكتفت نشاطاته في بعض الدول الإسلامية التي أسس فيها ما يسميه ( بالإمارة) على غرار باكستان والعراق والجزائر والمغرب واليمن والجزيرة العربية، معتمداً في تمويل عملياته على عمليات الخطف مقابل الفدية وقد نجح في بعض المناطق لا سيما في شمال أفريقيا.وحتى هذه التنظيمات الهيلامية التكوين تلقت ضربات موجعة، بعضها كان قاصماً لها خاصة في العراق عبر مقتل زعيمين مهمين للقاعدة هما أبو مصعب الزرقاوي على يد القوات الأمريكية وأبو أيوب المصري على يد القوات العراقية في عمليتين نوعيتين تشبهان إلى حد كبير العملية التي نفذتها البحرية الأمريكية في قتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن .لهذا نجد بأن مقتل زعيم تنظيم القاعدة يمثل صدمة كبيرة للفكر التكفيري في المنطقة ويشكل نقطة تحول مهمة جدا في الحرب على الإرهاب الذي يسير بخطوات كبيرة وربما تكون أكبر في الأسابيع المقبلة إذا ما تم استثمار حالة الانهيار النفسي الكبير الذي تعيشه المجاميع الإرهابية في الوطن العربي والعالم الإسلامي وحتى الخلايا النائمة في أوروبا ، هذه الحالة الناجمة عن فقدانها زعيمها الذي كان يمسك بكل الخيوط شأنه في ذلك الطغاة الشموليون الذين تهاوت صورهم في ميادين التحرير العربية، وبالتالي فإننا أمام فرصة كبيرة في البدء بعملية ثقافية فكرية واسعة لتفكيك الفكر التكفيري لهذا التنظيم وتطهير المجتمع العربي والإسلامي من مخلفاته بالشكل الذي يجعلنا نستعيد صورتنا
تفـكـيـك المـنـظـومـة الـفـكـريـة لـلـقـاعــدة
نشر في: 7 مايو, 2011: 05:55 م