سلوى جراح / لندن مذ تتابعت الثورات التحررية في العالم العربي، تونس، ومصر،واليمن الذي ما زال عذابها مستمراً،وليبيا التي تعيش ي حرب مدمرة، تنوعت التحليلات السياسية وتلونت. فقال المحللون واستزادوا، وشرح الخبراء العسكريون وأفاضوا، وتحدث المعارضون وتنادى المؤيدون. وبين كل هذا وذاك شخصت عيوننا تتابع كل ما يقال على الفضائيات العربية والأجنبية. فضائيات البلد المعني وفضائيات ما يسميه حكام البلدان الثائرة "الفضائيات المأجورة". ثم بدأت سوريا تحتل عناوين الأخبار.
وظهر مصدر جديد ومبتكر للتحليل السياسي على الفضائيات السورية، لا علاقة له بكل من اعتدنا من تحليل سياسي وعسكري. خرج علينا نجوم الدراما السورية.، ممثلون وممثلات مخرجون وكتاب، يتحدثون بنفس واحد عن "المؤامرة التي تحاك ضد آخر قلاع محاربة إسرائيل في العالم العربي"،كلهم يقدمون تحليلاً واحداً "سوريا ضحية مؤامرة تحاك ضدها". الغريب في الأمر أن العديد منهم كان يشدني لسنين وأنا أتابع أدواره في المسلسلات الدرامية السورية. مسلسلات تاريخية وأخرى عن حياة الناس العاديين اليومية، بعضها كان على قدر عال من الإتقان والقدرة على الإقناع. لكن الممثل الذي أقنعني بدور البائس أو الأمير الحاكم أو الرجل المتخلف عقلياً لم يستطع أبداً ان يقنعني بآرائه السياسية. بدا وكأنه إما لم يحفظ دوره جيداً أو أن أداءه كان مبالغاً فيه أو أن الدور لم يكتب أصلاً بشكل جيد و أحياناً كممثل جيد لم يقتنع بما يقوله له المخرج، لكنه مرغم على أداء هذا الدور من اجل لقمة العيش وربما لمجرد العيش.منذ سنين والحديث يدور عن المنافسة القوية بين الدراما السورية والمصرية، وفي السنوات القليلة الماضية الدراما الخليجية. الدراما السورية كانت في كثير من الأحيان تتفوق على الدراما المصرية. لكن الدراما السورية مرت بمخاض عسير، فقد ظلت لسنوات أسيرة تـاريخ الاحتلال العثماني والفرنسي قبل أن تتطور الدراما الاجتماعية التي تعالج مشاكل حقيقية في واقع المجتمع السوري. والواقع أن الدراما السورية نجحت في تصوير حياة الناس البسطاء، مشاكلهم وتعقيدات حياتهم، ووصلت حتى إلى الحديث عن سكان العشوائيات. أي أن وزارة الإعلام السورية والرقابة على المصنفات الفنية، اعترفت بوجود العشوائيات في المدن السورية وخاصة مدينة دمشق. ولكن يبدو أن هذه هي حدود الحرية حدود لا يجوز بأي شكل من الأشكال تجاوزها، وخاصة حين يجد الجد، عندها لا حديث إلا حديث "المؤامرة."ما يؤلم حقاً هو أن الفنانين السوريين الذين يطلعون علينا كل يوم بحديث المؤامرة يبدون كشخصيات مسلسل باب الحارة المسطحة التي لا تتجاوز همومها حدود ساعة الفطار أو السحور في شهر رمضان. شخصيات من حكايات الأطفال التقليدية، الشر فيها واضح لعيون الجميع ألا عيون من يتعاملون معها والخير يصل حد السذاجة، وهو بالضبط الحد الذي يصله نجوم الدراما السورية حين يتحدثون عما يجري في بلدهم. والسؤال المهم هو هل يتناسون فنهم وقدراتهم ويعيرون شهرتهم للسلطة الحاكمة ويروحون يكررون ما يطلب منهم أم أن كل فناني سوريا أعضاء في حزب البعث الحاكم منذ نصف قرن؟ سؤال يستحق لحظة تأمل. فكثير من الفنانين حول العالم وقفوا في وجه السلطة ورفضوا الخضوع لها، ودفعوا الثمن صمتاً وحرماناً من ممارسة فنهم. بل اضطر بعضهم إلى الرحيل من بلد لآخر هرباً من النازية أو المكارثية او أشكال أخرى كثيرة من القمع الفكري.ترى ماذا سيكون مستقبل الدراما السورية بعد الآن؟ قد نعرف الإجابة في الشهور القادمة حين نشاهد باب الحارة رقم خمسة وخمسين!
مصير الدراما
نشر في: 8 مايو, 2011: 07:50 م