اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > حديقة من غير سياج

حديقة من غير سياج

نشر في: 9 مايو, 2011: 05:05 م

د. عبد الله المدني كتب الصديق والزميل الأستاذ حازم صاغية مؤخرا في صحيفة "الحياة" عموداً استوقفتي فيه فقرة محددة نصها هو "بنى النظام ...حديقة من دون سياج، وهذا عيب الديمقراطيات في بيئة غير ديمقراطية". وهذه الفقرة وحدها تصلح مدخلا للرد على السؤال الأزلي القائل "لماذا نجحت الديمقراطية وترسخت في الدول المتقدمة، فيما حدث العكس في الدول النامية؟".
صحيح أن دولا نامية كثيرة عمدت منذ استقلالها إلى بناء المؤسسات الديمقراطية، إما لمجرد التشبه بالدول المتقدمة، أو إيمانا من قادتها بأن ذلك هو السبيل الأمثل لتحقيق التقدم والرخاء والاستقرار. غير أن الصحيح أيضا هو أن جــُل تلك الدول النامية لم تواكب عملها ذاك بتأسيس البيئة الديمقراطية، ونشر متلازمة الديمقراطية ألا وهو الفكر العلماني، فصارت ديمقراطياتها مجرد حدائق من غير سياج يحمي ما بداخلها من ورود وأزهار جميلة، على نحو ما أراد الزميل "صاغية" توصيله.وبكلام آخر صارت الديمقراطية في تلك الأقطار عبارة عن هياكل هشة أو مجرد انتخابات تجري كل عدة أعوام، وبرلمانات صورية، وإعلام مناور، ودكاكين حزبية وجماهير تتشدق بالديمقراطية فيما هي على أتم الاستعداد للانقضاض عليها والإمساك بخناق خصومها في أول فرصة سانحة تحت هذه الذريعة أو تلك. وبمعنى أدق لم تصاحب عملية "الديمقراطية" في تلك المجتمعات زرع ثقافة ديمقراطية يقدس الفرد والمجتمع مفرداتها ومفاهيمها، ويضحون من أجل الذود عنها، ويحتكمون إليها في سلوكياتهم ومبادراتهم وحراكهم، وهو ما فعلته المجتمعات المتقدمة في أوروبا من خلال عملية تراكمية استغرقت حقبا زمنية طويلة، وانخرطت فيها أجيال متعاقبة حتى انتصر العقل على النقل، وتراجع دور الإملاء الكنسي لصالح التفكير المنطقي، وبالتالي أينعت وأزهرت مفاهيم الحرية، والتعددية، والتداول السلمي للسلطة، والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، واحترام الأقليات الدينية والعرقية والثقافية، كخيار راسخ في وجدان الجماهير بمكوناته المختلفة لا يزاحمه أي خيار آخر.وكي نكون منصفين، وكيلا يـُفهم من كلامنا هذا إننا نروج لنظرية "أن الديمقراطية لا تصلح إلا حيث توجد الأعين الزرقاء والبشرة البيضاء والشعر الأشقر والثقافة الأنغلوسكسونية"، فإننا سنتطرق في هذه العجالة إلى الديمقراطية الهندية كمثال يُـسقط تلك النظرية ويدحضها، ويثبت أن الديمقراطية مثلما هي صالحة للعالم الأول، فإنها أيضا صالحة للعالم الثالث، فقط لو تشربت مجتمعات العالم الأخير مفاهيمها على مدى زمني طويل بحيث تتحول من شعار إلى ممارسة يومية ابتداء من المنزل والمدرسة ومكان العمل، وانتهاء بأجهزة الدولة والأحزاب.فالهند - كما يعرف الجميع – تطلعت إلى الديمقراطية بشكلها وأطرها الغربية منذ بواكير حركتها الاستقلالية، حينما سمح المستعمر البريطاني للهنود باستعارة وتجربة بعض صور ديمقراطيته العريقة. هنا لعب زعماء حركة الاستقلال الأوائل - من أولئك الذين درسوا وعاشوا في بريطانيا أو تجولوا في أوروبا في القرن التاسع عشر، وخاضوا هناك معارك عصف فكري مع أساطين الفكر الديمقراطي الليبرالي العلماني – دورا حاسما في ترسيخ مفاهيم الديمقراطية في عقول المجتمع (أفرادا وجماعات وأحزاباً وأطيافاً)، ووضع اللبنات الأولى لما سوف يـُعرف لاحقا بكبرى ديمقراطيات العالم. وهكذا لم تضع البلاد أرجلها على عتبة الاستقلال في عام 1947 إلا وكانت هناك بيئة مهيأة للديمقراطية، سياجها جماهير لئن اختلفت توجهات السياسية والثقافية، وتباينت طموحاتها وأحلامها، فإنها التقت على هدف الذود عن الخيار الديمقراطي المدعوم بثلاث  دعامات أساسية هي الليبرالية والعلمانية والفيدرالية. وفي ظل بيئة كهذه كان من المحال ظهور ونجاح أية محاولة انقلابية يقودها العسكر للاستيلاء على السلطة أو فرض إرادتهم على المؤسسات الدستورية، على نحو ما حدث في أقطار عالمثالثية عديدة بـُعيد استقلالها. وبمرور الزمن ازدهرت الديمقراطية الهندية وترسخت أوتادها في الأرض، ومعها وجد العسكر أنفسهم خاضعين لإرادة السلطة المدنية، يتلقون الأوامر منها بدلا من إملاء الأوامر عليها، ومعها وجدت الأقليات فضاء لنيل حقوق مشابهة ومتساوية مع حقوق الأكثرية.ولعل أحد أهم تجليات مناعة الديمقراطية الهندية وترسخها وصمودها أمام العواصف في السنوات الأخيرة هو قبول الهندوس الذين يشكلون الغالبية العظمى من عدد السكان وبنسبة تزيد على 80 بالمئة بوجود أهم ثلاث سلطات في الدولة (رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، وزعامة الحزب الحاكم) في أيدي شخصيات تنتمي إلى الأقليات المسلمة والسيخية والمسيحية على التوالي. والتجلي الثاني يتمثل في موقف المسلمين الهنود الذين لا يشكلون أكثر من 15 بالمئة من عدد السكان. فهؤلاء، على الرغم من كل ما قيل ويقال عن التمييز ضدهم، أظهروا ولاء تاما لبلادهم ونظامهم الديمقراطي وما حققه لهم من مكتسبات وحريات يفتقدها إخوتهم في العقيدة والثقافة من أبناء باكستان.والأخيرة - بطبيعة الحال – لم تنجح في محاكاة النموذج الهندي بالرغم من تعرّف مؤسسها "القائد الأعظم" محمد علي جناح على الديمقراطية الغربية وتشربه للمفاهيم العلمانية والليبرالية زمن دراسته للحقوق في الجامعات

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram