كاظم حبيب حين يقرأ الإنسان التقارير المنشورة عن الفساد في مصر يشعر بالغثيان ويحزه الألم الشديد على حالة الغالبية العظمى من عائلات الشعب المصري البائسة التي كانت وما تزال تنام الليل على بطون خاوية ويموت الأطفال بأعمار مختلفة بسبب سوء التغذية وكذا الشيوخ والمرضى بسبب نقص العلاج وعدم اهتمام المستشفيات الحكومية بالفقراء من الناس.
وكان الرئيس المصري يقسم أغلظ الإيمان أنه لم يأخذ قرشاً واحداً من مال الشعب معه حين تنحى مجبراً عن رئاسة الجمهورية وتحت ضغط المنتفضين في ميدان التحرير وعموم مصر وراح يقضي فترة "استجمام" وكأنه الرئيس الفعلي لمصر في شرم الشيخ وقبل أن يتمارض ويرقد في المستشفى لينجو من الاعتقال في سجن ما مع ولديه على ذمة التحقيق. وأكثر من مرة أكد أنه حين يموت سوف يكون نظيف اليدين والضمير عند ملاقاة ربه! ولم يكتف بذلك إذ أرسل الدكتور محمد حمودة محاميه السابق ليصرح مكلفاً منه بـ"أن الرئيس السابق لا يملك جنيها واحدا داخل مصر أو خارجها، وليست لديه عقارات أو ممتلكات أو أصول مالية باسمه داخل مصر أو خارجها" (راجع موقع "الشارع المصري"،أُخذ المقتطف في 4/5/2011). ولكن ألا تتحدث الحقائق والوقائع لغة أخرى غير تلك التصريحات؟ نشرت الصحيفة الألمانية برلينر تسايتون بتاريخ 4/5/2011 معلومة نقلتها وكالة الأنباء الألمانية نقلاً عن المصادر السويسرية جاء فيها إن محمد حسني مبارك يملك ثروة قدرها 410 ملايين فرانك سويسري وهي أموال جرى تجميدها من جانب الدولة السويسرية. وعدا عن ذلك تنشر الصحف المصرية يومياً أخباراً جديدة عن أموال مبارك وأفراد عائلته في البنوك المصرية وعن عدد العقارات التي تملكها العائلة بكل أفرادها،وخاصة مبارك وجمال وعلاء،والتي هي لم تأت من عرق جبين أفراد هذه العائلة،بل هي من عرق جبين شعب مصر كله وخاصة الفئات الكادحة والمنتجة للخيرات المادية والتي لم تذق طعم ما أنتجته،بل عانت مرارة الحرمان والفاقة والعيش في المقابر وما بين القبور. الأسئلة التي تؤرق الناس في مصر والعالم العربي هي: هل كان هذا الحاكم بأمره يحب ويحترم شعبه ويحنو عليه ويبعد عنه الجوع والحرمان والشر،أم كان لصاً وقاسياً على شعبه؟ وهل احترم هذا الرجل يوماً القسم الذي نطق به حين أصبح رئيساً للجمهورية أم خانه منذ سنوات طويلة؟ وهل يملك هذا الرجل إلهاً يخشاه أم أن إلهه كان وسيبقى المال،والمال الحرام؟ والإجابة معروفة وقد ترددت في هتافات وشعارات المتظاهرين في جميع أنحاء مصر وما زال الشعب يرددها ويطالب بمحاكمته وأفراد عائلته.ما كان في مقدوري أن أتحدث بهذه الصورة لولا ما تنشره الأخبار الموثقة عن ثروة حسني مبارك. أما القذافي فأمره معروف حين سحب قبل فترة وجيزة المليارات من البنوك السويسرية بسبب ما جرى لابنه هناك. ومع ذلك فهو يملك حالياً 360 مليون فرانك سويسري ما تزال في البنوك السويسرية والتي هي الأخرى جمدت بقرار من الحكومة السويسرية. (راجع: برلينر تسايتون. مصدر سابق).وإذا انتقلنا إلى المملكة العربية السعودية فحدث ولا حرج. فجزء مهم من النفط الخام في المملكة موزع على شكل حصص لأفراد العائلة المالكة السعودية من الأبناء المباشرين للملك عبد العزيز آل سعود. وهم يتعاملون مع ثروة البلاد وكأنها ملك العائلة لا غير. تشير الموسوعة الحرة إلى إن ثروة آل سعود الشخصية تصل الآن إلى أكثر من تريليون دولار أمريكي (أي 1000 مليار $)،وهو يعادل ضعف الناتج المحلي الإجمالي السنوي للسعودية تقريباً. (راجع: .International Monetary Fund Saudi Arabia وُصِل لهذا المسار في 2010-04-21). يقوم الحكم بتوزيع نسبة من أموال الشعب على أفراد العائلة السعودية المتكاثرة بصورة شهرية تتراوح بين 800 دولار لأبعد فرد من حيث القرابة للعائلة وبين 200000 – 270000 دولار أمريكي لأحفاد وأحفاد أحفاد عبد العزيز آل سعود. (راجع: مخصصات آل سعود،مجلة الحجاز،راجع أيضاً). كما نشر بأن ستة أمراء يصل مصروفهم السنوي إلى حوالي 10 مليارات دولار أمريكي. (المصدر السابق نفسه).ولسنا بحاجة إلى المرور على واقع النهب المالي من جانب حكام هذه الدول ووضعها في حساباتهم وحيث تعيش شعوبهم تحت وطأة مظالمهم،إذ إنها لا تختلف بقليل أو كثير ومنهم بشار الأسد وعمر البشير..الخ. ولكن كيف هو حال حكام العراق،وهل يختلفون عن واقع الدول العربية؟كان الفساد المالي واحداً من أبرز سمات النظام الاستبدادي الصدامي في العراق وعلى امتداد حكم حزب البعث العربي الاشتراكي الذي لم تشارك فيه الفئة الحاكمة فحسب بل والقيادتان القطرية والقومية لهذا الحزب وكثرة من كوادره المدنية والعسكرية والحاشية المحيطة بالدكتاتور المقبور. وكان الحكام في البداية يتسترون بمختلف السبل على نهب المال العام. ولكن لم يعد القائد الضرورة يحتاج لهذه السرية في السيطرة على المال العام،فالنفط نفطه والمال ماله وهو الذي يتصدق على الشعب بفتات الموائد،إذ أصبح النهب علناً منذ أن بدأ "قائد الأمة العربية المغوار صدام حسين!" يسيطر على نسبة 5% من حصة كولبنكيان من الإيراد السنوي لصادرات النفط العراقي،إضافة إلى العمولات التي كانت تدفع عن مبيعات النفط ومشتريات الأسلحة وغيرها
الفساد وحكّام الدول العربية
نشر في: 9 مايو, 2011: 05:07 م