افغانتسي: الروس في أفغانستان(بين عامي) 1979-1989اسم المؤلف: رودريك برَيثوَيتترجمة: هاجر العاني هذه الدراسة التي تصلح لنيل شهادة الماجستير عن الكابوس السوفيتي في أفغانستان هي عبارة عن عبرة لنا جميعاً. هذا هو الكتاب الذي يجب جعل كل سياسي وكل لواء عسكري وكل دبلوماسي يتفكر في دخول أفغانستان او الخروج منها (جعله) يقرأه . انه كتاب كان يجب ان يكون لدينا قبل 10 أعوام ونحتاجه اليوم أكثر من ذي قبل . انه تحفة ثانوية.
لقد أنتج السير رودريك برَيثوَيت ما سيصبح الوصف الجازم باللغة الانكليزية للتجربة السوفيتية في أفغانستان للفترة من خريف عام 1979 حين وافق الشيوخ الحاكمون الموجودون في المكتب السياسي للحزب الشيوعي على مضض على قبول المطالب الأفغانية بالتدخل ضد حكم الروس الأفضل، إلى قرار غورباتشيف بوقف نزيف الدم من "الجرح النازف" والانسحاب بعد حوالي 10 أعوام.ويأتي برَيثوَيت للمهمة بدراية وعشق عميقين لروسيا : للغتها ولشعبها ولروحها الجريحة ، وأبعد من ذلك فهو يستفيد استفادة جيدة من فهمه للشؤون الدولية متأتية من أكثر من ثلاثة عقود بعمله كدبلوماسي انتهاءً بصفته سفيراً لدى موسكو ومستشاراً في السياسة الخارجية لرئيس الوزراء جون ميجور ، وهو مؤرخ ذو تفوق وصرامة ، وهو يكتب بفصاحة رائعة وبأسلوب سلس يجعل المرء يود الاستمرار في القراءة بلا توقف.وما ينبت على السطح بقوة اكبر – مع ذلك – هي إنسانيته ، ففي كل فصل من الكتاب نشعر بتعاطفه بسبب المعاناة التي جاء بها التدخل لعشرات الآلاف من المواطنين السوفيت وللاعداد الكبيرة من آلاف الأفغان التعساء ، ورغم ذلك ، وكما يشير برَيثوَيت في خاتمة كتابه ، بالنسبة لكل سكرات الموت بحيث ان حدث أفغانستان المأساوي قد أوجد إتحاداً سوفيتياً محتضــِـراً كان الأمر – بمصطلحات السوفيت – حرباً تافهة نسبياً ، ونجحت روسيا ، تقريباً ، بتضميد جراحها والمضي قدماً.وبالنسبة للأفغان تستمر المعاناة إلى يومنا الحاضر ، فبالنسبة لهم ان رحيل آخر جندي سوفيتي شمالاً على جسر الصداقة عبر نهر أوكسز كان بداية عقدين من الاضطراب اللا مـُـنتهي واللا مـَـنهي ، وكما يلمـِّـح برَيثوَيت في نهاية الكتاب الى ان الاتحاد السوفيتي وبعد أن تقـلَّـب في المستنقع بعنف شديد وجد ان الطريقة المعقولة الوحيدة لانتزاع نفسه هي : معالجة سياسية والتي فيها تم الإيعاز إلى الزعماء الأفغان بنسيان الشيوعية والتخلي عن محاولاتهم في فرض الاشتراكية واعتناق الإسلام والعمل مع القبائل ، وقد خلفوا وراءهم نظاماً ، على عكس التوقعات ، لم يبق حياً وحسب وإنما هزم المتمردين الذين كانوا آنذاك مدعومين من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية وآخرين بالإضافة الى باكستان ، وانهارت الحكومة فقط حينما انهار الاتحاد السوفيتي وقرر خليفة غورباتشيف ، بوريس يالتسين، إنهاء المعونة الروسية ، النقدية والعينية، لأفغانستان.وسيتعلم كل قارئ عـِـبـَـره من هذا الكتاب وهي : حول أسباب دخول الاتحاد السوفيتي وأسباب تحذير الكثيرين جداً في النظام الأجهزة السوفيتية ، بمن فيهم بعض الجنرالات الشجعان ، من حماقة القيام بذلك وحول النوايا الطيبة التي عبدت الطريق السوفيتي الى هيلمند في محاولة لتحديث مجتمع كان ، على الأقل في المناطق الريفية ، ممانعاً للغاية في تحديثه وحول أخطاء الستراتيجية والتكتيكات التي ارتكبها الجيش الأحمر سعياً وراء تهدئة (أو بلغة اليوم خلق استقرار في) مناطق شاسعة من البلاد تمكنوا من "تنظيفها" ولكنهم لم " يحتفظوا بها" وحول الهمجية والفساد اللذين أصابا آلة الحرب السوفيتية والتي تبادلها مناوئوهم ، وثمة عـِـبـَـر أيضاً حول افتقار الأفغان للقدرة والإرادة في تأمين بلدهم وحكمه بالطرق التي كان أصدقاؤهم يأملون فيها وحول العشق الذي ، على الرغم من كل شيء ، أظهره الكثير من الخبراء والمستشارين السوفيت للأراضي والشعب الأفغانيين وتاريخهم وثقافتهم المذهلين ، وحول الشعر والنثر والموسيقى التي اوحت بها هذه الحرب.وحينما وصلت إلى كابول بصفتي السفير البريطاني عام 2007 كان السفير الروسي مستر كابولوف يمزح قائلاً بأنه كان موجوداً هناك منذ وقت طويل جداً بحيث ان المدينة سميت تيمناً به ، وكحال الكثير جداً من مواطنيه كان يبدو ممزقاً بين عدم رغبته بإخفاق الغرب في أفغانستان (تاركين البلاد تعود للانغمار في الفوضى والحرب الأهلية) وعدم رغبته بتمتع أمريكا والناتو بالنجاح حيثما كانت روسيا قد أخفقت، وهو قد يثير الضيق ساخراً فيقول :"لدي شعور ودي تجاهكم ، إذ أراكم ترتكبون نفس الأخطاء كلها كما ارتكبناها".ويلمـِّـح كتاب برَيثوَيت بأنه لا توجد، في الواقع، الحقيقة الكاملة، وبحكمة هو يسمح لنظرائه ذوي تدخلات أخرى، قبل أو منذ التدخل السوفيتي، بالتكلم بتبجح عن أنفسهم ، ولأجل كل الصلات الجلية ثمة المزيد من الاختلافات الهامة مع محاولات بريطانيا في التدخل في القرن التاسع عشر ومع الالتزام الغربي الحالي هناك.ظهر هذا الكتاب في اليوم الذي قدمت فيه لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس العموم تقريراً يوصي بأن تحاول بريطانيا إقناع الولايات المتحدة باعتماد منهج أكثر سياسة تجاه أفغانستان ، من النوع الذي أتبعه الاتحاد السوفيتي في آخر الأمر، وذلك الأمر
روسيا ومحاولة إعادة خلق أفغانستان
نشر في: 9 مايو, 2011: 05:33 م