الإعلاميون في العراق يراودهم الحلم في الدفاع عن حقوقهم على غرار تجارب اعتمدت في الدول المتقدمة تفرض عقوبات على من ينتهك حقوقهم ، ومادام الحلم مشروعا والعتب مرفوعا فهم بأمسّ الحاجة إلى جهة تمنع إبعادهم عن العمل بقرارات يتخذها رئيس المؤسسة أو المسؤول في لحظة اضطراب المزاج أو بدوافع أخرى نتيجة التعرض لضغوط المسؤولين أو أصحاب نفوذ اعترضوا على كتابات بعض الصحفيين لأنهم انتقدوا الأداء وكشفوا عن فضيحة فساد في صفقة استيراد الثيران من استراليا لغرض تحسين الجيل المقبل من العجول في العراق.
أين حقي، القصيدة الشهيرة لشاعر الشعب الراحل محمد صالح بحر العلوم ، طالما رددها الآلاف من الصحفيين العراقيين لشعورهم بأنهم في لحظة ما سيصدر قرار بإبعادهم عن العمل فورا ، والأمر لا يتطلب كتابا رسميا وإنما تكليف عامل الاستعلامات بإبلاغ الإعلامي بمنع الدخول إلى مقر عمله ، فأحدهم أبعد من عمله لأنه نشر خبرا يفيد بأن المرجعية الدينية في النجف رفضت استقبال السياسي الفلاني ، والقرار جاء بعد أن اتصل الناطق باسم السياسي برئيس التحرير فاتخذ الأخير قراره مع اعتذار وأسف شديد ونشر تكذيب الخبر في عدد اليوم الثاني .
فرص العمل في الصحف العراقية متوفرة لكثرة الجهات التي تصدرها سواء كان رسمية أو سياسية ، وحتى التجار وأصحاب معارض السيارات أصبح لديهم صحفهم الخاصة ولا اعتراض على ذلك ، فمن حق أي شخص أن يكون رئيس تحرير في العراق ، وبإمكانه أن يضع حرف الدال قبل اسمه ويشارك في ندوات ولقاءات سياسية بوصفه محللا سياسيا وإعلاميا بارزا ، من دون أن يخبره أحد بأنه دخل الساحة الإعلامية من الباب الخلفي ، ومثل هذا النموذج بالمئات ، والساحة على استعداد لاستقبال المزيد .
في زيارة قام بها أحد المسؤولين لقريته الواقعة في محافظة ذي قار للتعرف والاطلاع على أوضاع سكانها استقبله أبناء عشيرته بالعرائض المطالبة بتعيين الأبناء بوظائف حكومية أو قبول تطوعهم بالجيش والشرطة ، حاول المسؤول أن يوضح صعوبة التعيين لأن الأمر يتعلق بتوفير درجات وظيفية وتخصيصات مالية في الموازنة التشغيلية وموافقات أصولية وقانونية ، وأمر أحد رجال الحماية بجمع العرائض ، لبحثها ودراستها ثم إخبار أصحابها بالنتائج ، أحد الرجال لم يعجبه كلام المسؤول وقال بالحرف الواحد :" افتحلهم جريدة وشغل ولد عمامك " !
ودافع الرجل عن شباب القرية مستعرضا قابلياتهم ومواهبهم وقدرتهم على الكتابة في الصحف لأن القضية لا تحتاج أكثر من "أكد فلان دحر الإرهاب ، وملاحقة الجماعات المسلحة والخارجين على القانون " ، ومع تصاعد الأصوات المؤيدة للرجل أبدى المسؤول أمام الحاضرين استعداده لإصدار الجريدة بأسرع وقت ممكن ليوفر فرص العمل لأبناء العمومة، وبعد شهر صدر العدد صفر ، وفي الصفحة الأولى برقية رفعتها عشيرة المسؤول إلى القيادة الحكيمة تشيد بدورها في القضاء على البطالة لأن معظم أبناء العشيرة أصبحوا إعلاميين يتقاضون رواتبهم من دائرة المسؤول وليس فيهم من يقول أين حقي !