سامي عبد الحميدعندما كنت طالباً في معهد الفنون الجميلة أتتلمذ على يد الراحل(حقي الشبلي)، اختلفت معه فكرياً وفنياً، فقد كان هو مع السلطة الملكية وكنت أنا ضدها بدافع الوطنية والتقدمية اذكر مرة انه كان عضواً في لجنة رقابة النصوص المسرحية ورفض نصاً قدمته فرقة المسرح الحديث وذلك أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وخروجاً عن اللياقة قمت من مكاني في الصف محتجاً على قرار أستاذي برفض النص. وأذكر انه، بعد ذلك الاحتجاج، منعني من الدخول الى صف درسه ولكني بعد ايام وعندما شعرت بأن ثورة غضبه عليّ قد خفت تسللت الى الصف وجلست في مقعد في الخلف وربما لاحظ وجودي ومع ذلك لم يكترث.
وعندما بدأ أستاذنا بالتخطيط لإخراج مسرحية (يوليوس قيصر) لشكسبير عام 1954، كنت أنا في الصف الرابع في المعهد قد توقعت ان يسند لي دور (بروتس) أو دور(انطونيوس) في المسرحية ذلك لثقتي بكوني احد الطلبة المتقدمين في الدراسة وفي فن التمثيل ولكنه خيب أملي عندما عهد لي تمثيل دور ثانوي في المسرحية وقبلت ذلك على مضض معترفاً داخل نفسي بأن سبب ذلك هو حنقه عليّ لكوني تمردت سابقاً عليه، ربما لم أكن مصيباً في ظني، كنت أعرف ان أستاذي يحبني وبقدر إمكانيتي ولكنه لا يريد أن ينسى موقفي السابق معه، وقد أثبت حبه وتقديره لي عندما اختارني رئيساً لقسم المسرح في (دائرة السينما والمسرح) بعد ان عيّن مديراً عاماً لها عام 1964، وكان المفروض ان يعهد بالمهمة إلى احد الموالين له وليس لأحد المعارضين.كانت مسرحية (شهرزاد) لتوفيق الحكيم أول عمل يخرجه الراحل (حقي الشبلي) للمسرح القومي- الفرقة القومية للتمثيل كما سماه، ومثلت فيها دور(قمر) أمام الراحل (وجيه عبد الغني) الذي مثل دور(شهريار) ومثلت(فوزية الشندي) دور(شهرزاد)، قدمت المسرحية بمناسبة الاحتفال بافتتاح أبنية الدائرة في كرادة مريم وهي المهداة من حكومة الاتحاد السوفييتي آنذاك بعد أن أقامت بها معرضاً صناعياً تجارياً، وبعد تلك المسرحية كنت أكرر إلحاحي على أستاذي أن يخرج مسرحية (سميراميس) ولم أكن اعرف مؤلفها ولكن كنت اعرف انه شغوف بها وأعلن مرات عديدة عن نيته لإخراجها، ومع ذلك ذهبت إلحاحاتي إدراج الرياح حيث توقف عن التفكير بأي عمل فني يتولاه، وراحت محاولاتي لمعرفة الأسباب أيضاً أدراج الرياح رغم اني كنت أقول له سأساعدك يا أستاذي في العملية الإخراجية.عندما كلفني بإخراج مسرحية (تاجر البندقية) طلب مني ان أشرك الأساتذة جعفر السعدي وإبراهيم جلال وغيرهما من خريجي فرع التمثيل بمعهد الفنون الجميلة، وبالفعل فقد فاتحتهم بذلك ناقلاً رغبة أستاذهم، بيد ان مطالبهم بتجديد مبالغ أجورهم أغضبته معتبراً ذلك تمرداً عليه، لذلك طلب مني أن اختار آخرين من المخرجين.يذكر ان (الشبلي)، وبمناسبة انعقاد مؤتمر الموسيقى العربية في بغداد، قام بتشكيل فرقة للفنون الشعبية سمّاها (فرقة الرشيد للفنون الشعبية) وعهد الى (عدنان المنيني) وهو مدرب لرقصة السماح السورية جاء الى بغداد بدعوة من إدارة التلفزيون العراقي لتشكيل فرقة فنون شعبية لم تنجح تلك الإدارة بتشكيلها. قام (المنيني) وبمساعدة فرقة موسيقى الإذاعة العراقية أن يدرب أعضاء فرقة الرشيد وينجز برنامجاً لعرض ليس في فقراته ما له علاقة بالفن الشعبي العراقي، فما كان مني وزميلي بفرقته (عزيز علي) عندما عيّن خبيراً في دائرة السينما والمسرح، أن نتدخل ليسمح لنا الأستاذ الشبلي بتصميم فقرات راقصة من الفلكلور العراقي، وبالفعل تم ذلك وأنجزنا ثلاث رقصات هي (أم العباية) و( القلابيات- بائعات اللبن) و(بلبل حاح- لعبة شعبية يلعبها الأطفال).لم يكن الشبلي على وفاق مع عزيز علي ولذلك فقد نقله بعد مدة قصيرة إلى دائرة الإذاعة والتلفزيون وعُيّن (جميل جرجيس) بديلاً عنه وعن السوري عدنان المنيني، حصل كل الانسجام الفكري والفني بيني وبين جميل وقد اتفقنا على ضرورة عمل فرقة الرشيد الفنية وتطوير قدرات أعضائها وفرض النظام وقواعد الانضباط التي يقتضيها حيث كان التسيّب والتحلل الفني والأخلاقي سائداً وعندما عجزنا عن تطبيق شروطنا أوقفنا عمل الفرقة في غياب المدير العام، وقد أثار قرارنا ذاك حفيظة أستاذنا فقرر إبعاد (جميل جرجيس) عن الفرقة وقرر توجيه عقوبة تنبيه لي وقد حوّل تلك العقوبة إلى إنهاء استعارة خدماتي من معهد الفنون الجميلة عندما شعر بأنني لا اخضع لأوامره خصوصاً عندما أمرني للذهاب إلى اربيل لتشييد مسرح صيفي تقدم عليه فرقة الرشيد عرضاً فنياً، فقمت بنصب منصة خشبية ومدرجات ومكان خاص لتبديل الراقصين ملابسهم، ولم أقم بنصب أجنحة ولا ستارة أمامية لأنني كنت اشعر بعدم الحاجة إليها فلم يرق لأستاذي ما فعلت فأرسل برقية إلى دائرته في بغداد تقضي بإنهاء استعارتي، وقد رحبت بقرار أستاذي لعدم رغبتي بتعقيد الأمور أولاً ولأن تأسيس (أكاديمية الفنون الجميلة) كمؤسسة تابعة لجامعة بغداد كانت تنتظر خدماتي وذلك نهاية عام 1967.
مع أستاذنا حقي الشبلي
نشر في: 13 مايو, 2011: 05:11 م