البصرة / عبد البطاط  1ـ 2 كم تمنيت أن ازور الأهوار زيارة طويلة و أكحل عيني بكل شيء فيها ولم يدر في خلدي أن هذه الرغبة العذبة ستتحقق حيث قال لي احد الأصدقاء ونحن جالسون في احد المقاهي المطلة على شط العرب التي استرجعت حيويتها مؤخرا ,لماذا لا تكتب شيئا عن الأهوار ,وفي اليوم التالي جلست
مع نفس الأصدقاء جلسة عمل لمعرفة الكيفية التي أنفذ فيها مهمتي الصحفية هذه بنجاح فهيّأ لي ما أردت ووافق على مصاحبتي صديقان لي لمعايشة هذه المغامرة الجميلة . وتوكلنا على الله في اليوم التالي واصطحبنا دليلا واثنين آخرين من أقاربي هم أصلا من سكنة الأهوار وقد رافقتنا مصادر خمسة كلها تبحث في الأهوار وعاداتها وتاريخها .وفي صباح يومٍ ندى .. استأجرنا من ( كرمة علي )منطقة تجمع سكان الأهوار زورقاً بخاريا كبيرا لأنه الوسيلة الوحيدة للوصول إلى أطراف الهور والى منطقة ( حرير ) بالذات .. التي أخذت اسمها من اسم صاحب المقامات ( الحريري ) الذي سكنها في غابر الزمان.أصل الأهوار ونحن في الزورق البخاري أردت أن اعرف أصل هذا العالم العجيب وكيف تكونت الأهوار. .يقول (كافين ماكس) مؤلف كتاب قصبة في مهب الريح "  في العصور البابلية امتد الخليج العربي إلى أعالي العراق. . ونهرا دجلة والفرات يصبان في البحر بانفصال ليس كما هو الحال الان. .وعندما يتقهقر البحر يترك في أثره إقليما من الأهوار والجداول والمستنقعات وعلى مرَ القرون انقسمت الأهوار العظيمة المعرضة للتغيير بسبب تأثير البحر إلى مساحات يؤثر عليها الفيضان الموسمي والى أهوار شبه دائمة والى مساحات مركزية من الأهوار الدائمة الحالية تقع في مناطق منخفضة بين مجرى النهرين. .فكلما تراجع البحر ترك مساحة ذات ارض رخوة. أما الدكتور إبراهيم شرف في كتابة (الموقع الجغرافي للعراق) فيقول" من الصعب إرجاع تكوين هذه المنخفضات إلى سبب واضح ويبدو أنها تكونت بسبب عدة عوامل اشتركت بنسب متباينة في تكوينها. ."ويذكر (ولفرد تسيكر) في كتابه (المعدان أو سكان الأهوار) عن أصل تكوين هذه الأهوار قائلا " تكونت هذه الأهوار من جراء تجمع مياه الفيضانات. ."ويقول  محمد حسين فوزي بهذا الصدد. ."  بعد انهيار السدود وانهدام النواظم بانهيار الحكام الأقوياء في العصور الغابرة. .وسقوط الحضارات العريقة اندرست الأنهار وانطمرت قنوات الري فأصبحت المياه تتدفق بلا موجه وغمرت ما غمرته من الأراضي الشاسعة وكونت مساحات واسعة من المياه غطت معالم وآثار لحضارات قديمة ".الأهوار في التاريخ ملاجئ الثائرينالبطائح أو البطايح. . هي الصلة بين البصرة و واسط والبطيحة فهي  ميل واسع ومجتمع مياه سائبة وتعني المستنقعات أو البحيرات الساحلية والأجزاء الضحلة من البطايح المغطاة بالبردي تسمى (الاجاف) بينما الأهوار مسطح مائي واسع.وكانت البطائح جنوب العراق مسكونة منذ القدم , فقد روى الجغرافيون العرب أمثال (أبو الفداء وابن القوطي والقزويني) أن هذه البطائح كانت ملاجئ الثوار والخارجين على القانون وطالما لجأ هؤلاء إلى الإغارة على المراكب القادمة من البصرة ما دعا الحكومة إلى تجهيز حملات للقضاء عليهم ففي سنة 1393هـ وما بعدها أرسلت حملات عسكرية لمهاجمة المنطقة والقضاء على الخارجين. ويحدثنا التاريخ أن (عمران بن شاهين , السلمي أمير البطائح فر إلى مناطق الأهوار حين حارب البويهيين وجهزوا حملة لقتاله وذلك في عام 1005م وقد عجز الجيش البويهي عن القضاء على الثورة في هذه المنطقة. وفي عام 1535م جهزت الدولة العثمانية حملة كبيرة من السفن الشراعية تقدر بأكثر من مئة سفينة غزت معاقل شيخ مشايخ (الصيامر) (علي آل عليان الطائي) الذي كان حاكما لمنطقة الجزائر وفر إلى منطقة الأهوار وعجزت القوة عن التغلغل في الأهوار لما أصابها من خسائر فادحة ولكنها قطعت أشجار النخيل ودمرت المدينة تماما واشتدت مقاومة القبائل لدرجة أنهم داهموا الحاميات العثمانية مرات متكررة وجعلت العثمانيين غير قادرين على استخدام الطريق بين بغداد والبصرة وذلك لسيطرة أهالي الأهوار على هذا الطريق. وفي عام 1565م قاد (اسكندر باشا الشركسي) حملة مكونة من ألف سفينة وهاجم مشايخ الجزائر وفر هؤلاء المشايخ إلى مناطق الأهوار وفشلت الحملة.  وفي عام 1860م عصا شيخ (البو سويلم) (حمود آل عنيزان) على الحكومة العثمانية فجهزت ضده حملة في منطقة البدرية والخاص وايضا فر إلى الأهوار وفشلت في إلقاء القبض عليه. وفي عام 1890م جهزت حملة تأديبية بقيادة الحاجان فاضل عباس الداغستاني على قبيلة شيخ بني أسد (حسن الخيون) وفر إلى الأهوار وفشلت الحملة. وفي عام 1924م شنت الحكومة العراقية حملة للقضاء على نفوذ شيخ بني أسد (سالم الخيون) وفر إلى الأهوار وتمتع فيها. وكان لرجال الأهوار الدور الكبير في ثورة العشرين الخالدة التي أشعل فتيلها رجال الفرات الأبطال. وفي عام 1934م أعلنت عشائر بني أسد العصيان فشنت الحكومة العراقية حملة على الشيخ (غضبان الخيون) وبعد معارك طاحنة فر الشيخ مع مجموعة من أبناء عمومته إلى الأهوار الوسطية ومن ثم إلى الحويزة. وفي عام 1967م حدث عصيان مسلح من قبل الشيوعيين الذين يؤمنون بالكفاح