أوس عز الدين عباس ربما لم يشغل الإنسان فكره بشيء مثلما شغله بمشكلة الماء وندرته أو وفرته وسبل الحصول عليه وطرق استخدامه وترشيد ذلك الاستخدام للمحافظة على القدر المتاح له أو الذي ينتظر أن يحصل عليه في المستقبل القريب والبعيد حتى يمكنه تنظيم حياته وفقاً لذلك .
لقد كان الإنسان دائما حتى في أبسط أشكال الحياة ، وأدنى مراحل المعرفة يخطط لتوفير الماء حتى يضمن استمرار حياته له في المحل الأول ، واقتضى ذلك منه أن يبتدع أساليب وتكنولوجيات تكفل له تحقيق ذلك الحد الأدنى من الماء ، ولقد كان لكل مجتمع دائما تصوراته وخططه وأساليبه ووسائله وأدواته التي تتفق مع درجة تقدمه والمرحلة التي وصل إليها في مسيرة الحضارة ، وكثير من الخطط والأساليب والوسائل التي سادت في الماضي ، والتي لا يزال لها بعض الرواسب في عدد من مجتمعات العالم الثالث ، والتي تعيش بمعزل عن التطورات العلمية والتكنولوجية الحديثة ، والتي تعتمد على تدخل القوى الإعجازية غير المنظورة ، أو الكائنات الروحية ، بما في ذلك ممارسة طقوس السحر ، على أساس إن تلك الكائنات الروحية تؤثر في كل شيء بما في ذلك الظواهر الطبيعية والكونية ، وتؤلف هذه الممارسات جانبا كبيرا من الثقافة الشعبية في تلك المجتمعات ، وهي ممارسات يطلق عليها أبو الأنثروبولوجيا البريطاني (( إدوارد بيرنت تايلور )) اسم (( العلم الزائف )) ، على اعتبار إن السحر في رأيه هو (( علم البدائيين )) ، والآداب العالمية زاخرة بالقصص والأساطير والطقوس الدينية والممارسات السحرية حول قداسة الماء والمبادئ والتعاليم التي ينبغي الالتزام بها في التعامل معه باعتباره أصل الكون وأساس الحياة ، ولذلك فقد يكون من الصعب ، بل ومن الخطأ إصدار أحكام تقويمية على تلك الخطط والوسائل والممارسات ، والحكم عليها بمقاييس العلم الحديث ، وإن كان من المشروع أن نحكم على مدى تطور المجتمع نفسه من مدى فاعلية وكفاءة تلك الخطط والوسائل في توفير مايحتاج إليه لمزاولة أنشطته الحياتية المختلفة .لقد كان حرص الإنسان لحصوله على الماء وكل مايتعلق بذلك من أفكار وممارسات يفوق في كل المجتمعات المعروفة حرصها واهتمامها بتوفير الطعام ، كما كانت مشكلة المياه تحتل دائما مساحة كبيرة من فكره أكبر بكثير جدا من تلك التي تشغلها مشكلة الغذاء ، على الرغم من أهمية الطعام لحفظ واستمرار الحياة ، وعلى الرغم أيضا من كل الجهود الكبيرة التي يبذلها في إنتاجه أو الحصول عليه بشتى الطرق .وعلى أية حال ، فيجب أن لا ننسى إن الماء مكون أساسي في الطعام ابتداء من مرحلة إنتاجه حتى مرحلة إعداده للتناول ،كما إن القدرة على التحكم في مصادر المياه ، والكشف عن موارد جديدة ومتجددة والعمل على تنميتها وحسن إدارتها تمهد الطريق للتخطيط لمستقبلنا الآمن ، وتحديد مصيرنا في حدود الوضع المائي ، وقد تكون هذه كلها أمورا معروفة لدينا ، ولكن مايدفعنا الآن إلى العودة إليها والتذكير بها ، وإن كان من الصعب نسيانها أو إنكارها ، هو الوضع المائي الخطير في العالم ككل ، وفي منطقة الشرق الأوسط الذي نعيش فيه والذي ننتمي إليه ، وهو وضع يحتاج إلى التوقف عنده وإمعان النظر فيه في ضوء الظروف الإيكولوجية المتغيرة ، والتي قد يكون لها آثار سلبية على موارد وكميات الماء المتاحة لكثير من المجتمعات ، مما يهدد بنشوب النزاعات حول حقوق استغلالها وطرق الإفادة منها ، وبذلك تتحول الظروف والأوضاع الإيكولوجية المتغيرة إلى مشكلات سياسية تنبئ بكثير من الأخطار ، فالماء يمثل قوة رهيبة في المجال السياسي ، ويعتبر أداة لممارسة السلطة والتأثير على كل المستويات ، فالذي يملك الماء يجمع بين يديه قوة سياسية مؤثرة لايتمتع بها من لايملك ، كما إن القدرة على التحكم في موارد الماء تترجم نفسها في شكل القدرة على التحكم في مصادر الآخرين ، ولقد كانت الحاجة إلى توفير القدر المناسب من الماء وراء كثير من حالات النزاع بين الجماعات الفرعية المختلفة داخل المجتمع الواحد ، كما إنها وراء حالات الصراع الذي يزداد حدة الآن بين الكثير من الشعوب نتيجة للتغيرات الإيكولوجية ، بحيث يتردد القول الآن : (( إن الحروب القادمة ستكون من أجل التحكم في مصادر الماء ، وإن (( حروب الماء )) هي حروب المستقبل )) ، وإذا كان البترول الذي يوصف لأهميته بأنه (( الذهب الأسود )) كان وراء كثير من الحروب التي اندلعت خلال العقود القليلة الماضية ، وألحقت بالعالم الكثير من الخسائر والفواجع ، فإن الماء الذي يوصف الآن بأنه (( الذهب الأزرق )) لايقل أهمية عن البترول إن لم يساوه ، لأنه سيكون سبب الصراع في المستقبل وعلى مستوى العالم .والواقع إن ثمة شعورا متزايدا في أغلب دول العالم بأنه لن يكون ثمة مفر من اندلاع ماأصبح يعرف باسم (( حروب الماء )) في المستقبل غير البعيد ، وقد حذرت الأمم المتحدة في مارس/ آذار الماضي لعام (( 2009 )) من إن التغيرات المناخية قد تثير الصراعات حول الماء ، ومن الواضح إن المناطق الأشد تعرضا لخطر تناقص المياه ، والمؤهلة بالتالي للصراع هي الشرق الأوسط وأجزاء كبيرة من إفريقيا ، فالصراع سوف ينشب بين الدول الفقيرة والغنية على موارد المياه مع تفاوت مدى الحاجة الفعلية لهذه المي
انتشار المخاوف من حروب الماء في المستقبل ..
نشر في: 14 مايو, 2011: 08:28 م