TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > "القراءة الخلدونية" بين السياسة والتعصّب الديني

"القراءة الخلدونية" بين السياسة والتعصّب الديني

نشر في: 15 مايو, 2011: 06:11 م

سلوى جراح بعثت لي صديقة قبل أيام عبر الانترنيت، بكتاب "القراءة الخلدونية" الذي تربت عليه أجيال من الطلاب في العراق، مع تعليق باسم :" هل تذكرين دار نوري وقبقاب بوران؟"  قلبت الكتاب فرحة بهذا الرمز للطفولة الذي توارثته الأجيال في بيتنا حين كنا صغاراً. 
كلمات حفظت الذاكرة بعضها من كثرة ما رددتها أفواه أخوتي الصغار مع تعاقب سنيّ الدراسة.  ثم عدت للصفحة الأولى، القراءة الخلدونية، الطبعة السابعة، رسم ترودي ميتلمان، وخط هاشم محمد الخطاط.  طبع بمطابع شركة دار الجمهورية للطباعة والنشر، بغداد 1965.  يوزع مجاناً مع كتاب الحساب.  ترودي ويتلمان كانت مدرسة في معهد الفنون الجميلة حسب ما قيل لي، وهاشم الخطاط اسم معروف في عالم خطوط الحروف في العراق، أما الاسم الذي ارتبط بالقراءة الخلدونية فهو اسم ساطع الحصري أبو خلدون الذي حمل كتابه الشهير أسم أبنه خلدون.ساطع الحصري من مواليد اليمن عام 1879 ،كان في شبابه طورانياً، يؤمن بتفوق الدولة العثمانية التركية وحقها في أن تقود الدنيا، ثم أصبح قومياً عربياً بل ومن دعاتها أمثال عبد الرحمن الكواكبي ونجيب أرسلان.  شغل مناصب مهمة في التعليم في سوريا التي حمل جنسيتها.  وحين جاء الملك فيصل الأول إلى العراق عام1919 أحضره معه ومنحه منصب معاون وزارة المعارف.  أعترف أني قرأت الكثير عن ساطع الحصري في دوائر معارف الانترنيت، وقرأت ما يقوله عنه منتقدوه من أنه لم يسمح بدخول المفاهيم الدينية في التعليم حتى أن "القراءة الخلدونية" خلت تماماً من ذكر أي رمز ديني حتى كلمة الله، فليس في الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى في بداية الخمسينيات إشارة دينية واحدة.  الكتاب يعلم القراءة والكتابة حسب المدارس التعليمية الحديثة بتكرار الحرف ضمن كلمات متتالية، مدرسة بدأت في ألمانيا في أوائل القرن العشرين، تعرف باسم الجيشطالت Gestalt  وتعني "الشكل" وقد طبقت في المجال التعليمي للتركيز على تكرار ما يراه الطفل ليتعلم كيف يربط بين الأجزاء المرئية والكلمة ومعناها، دار، داران، دور.  مع التكرار لحرفي الدال والراء يصبحا في مخزون الطفل الفكري وتبدأ عملية التعلم وتتطور القدرة على القراءة. وعليه فكتاب "القراءة الخلدونية"، نجح تبني أسلوب تدريس معاصر منذ أوائل الخمسينيات، لتعليم أجيال من الصغار في العراق، القراءة والكتابة وأمامنا طبعته السابعة.  وما يدهش في كتاب تعليم القراءة الجميل هذا، أنه نهج نهجاً تعليمياً سليماً  في المفاهيم التي قدمها، فلم يميز بين الناس من منطلقات دينية أو طائفية أو عرقية.  أدخل في طبعاته في الستينيات صورة الفتاة الكردية نازدان، في زيها الكردي الزاهي، كتعبير عن تلاحم العراق، كما تم تطوير بعض الصفحات لتناسب المتغيرات السياسية والاجتماعية في عراق الستينيات.  أعترف أن كتاب "القراءة الخلدونية" بهرني وأنا أتصفحه بعد كل هذه السنين، وأنا شاكرة لمن خطر له أن يضعه على الانترنيت ليذكرنا أين كنا وكيف كان العراق سباقاً في مجال التعليم.  فالقراءة الخلدونية، كانت تريد للطفل العراقي أن يتعلم بأسلوب راق كما يتعلم الأطفال حول العالم. في الدول المتحضرة.  يتعلم حروف لغته نطقاً وكتابة ويتابع من خلال عملية التعلم تلك بعض معالم الحياة في مجتمعه، والمفاهيم المتداولة في عالم الكبار الذي سيدخله بعد سن السابعة مع تخلصه من أميته البكر، حين يتعلم القراءة.  فالبقال والفلاح والحلاق والحمال ومدن بلده، كركوك والموصل ونهر الزاب كلها ترد في كتاب تعليم القراءة.  والأطفال في صور الكتاب الملونة، يرتدون ملابس الأطفال المعروفة حول العالم، وأثواب الصغيرات قصيرة تظهر سيقاناً مستعدة للعب والجري والتسابق.  والأم في الكتاب جميلة وراقية، رغم أنها غير محجبة، تقرأ كتاباً أو تطرز تحت عنوان:"إزار أمي أزرق".  مع ذلك هناك انتقادات كثيرة للكتاب ولساطع الحصري بشكل خاص، قرأت بعضاً منها على مواقع مختلفة في الانترنت.أساسها واحد أن ساطع الحصري كان قومياُ عربياً، وأنه لم يسمح بتسلل المفاهيم الدينية إلى صلب التعليم سواء في العراق أو في سوريا.  لا أدري ما وجه الاعتراض على ذلك. فالمفروض أننا ننادي بالديمقراطية ولا نعادي من لا نتفق معه في الرأي، أما موضوعة الدين في التعليم، فأنا من جيل تربى على أن درس الدين هو أحد الدروس المنهجية وقلما كان أحدنا يرسب بدرس الدين وكثير هو "الإكمال" بالدروس الأخرى.  ومع ذلك فأبناء وبنات جيلي أحبوا العلم وانكبوا على القراءة وخرج منهم مئات المبدعين في عديد الفنون والعلوم والآداب.أقول لكم الحق ما يعنيني في الموضوع هو هذا الكتاب الجميل "القراءة الخلدونية" فقد شعرت بالفخر الشديد وأنا أقلب صفحاته، هذا الكتاب كان يدرس في العراق منذ الخمسينيات، أعجبني الغلاف وصورة الصبي والبنت وهما يقلبان صفحات كتاب.  أعجبتني الصور الملونة والحروف

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إيران: لن نسمح بتكرار أحداث سوريا والمسلحون لن يحققوا أي انتصار

المخابرات الفرنسية تحذر من نووي إيران: التهديد الأخطر على الإطلاق

نعيم قاسم: انتصارنا اليوم يفوق انتصار 2006

نائب لـ(المدى): "سرقة القرن" جريمة ولم تكن تحدث لو لا تسهيلات متنفذين بالسلطة

هزة أرضية تضرب الحدود العراقية – الأيرانية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram