اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > نص الصورة *..بين التخييل القصصي والتوليف البصري

نص الصورة *..بين التخييل القصصي والتوليف البصري

نشر في: 15 مايو, 2011: 06:13 م

رمزي حسن أفضى التداخل بين الأدب والفنون الأخرى إلى ظهور أشكال سردية جديدة، تجمع بين مختلف أشكال التعبير الفني، في بنية متضامة متماسكة، يبدو فيها النص وكأنه قطعة من الموزاييك، تتعانق فيها الفنون.ويعدّ (نص الصورة) للقاص الرائد محمود عبد الوهاب أحد تلك النصوص الملهمة،
التي تجمع، وبشكل خلاق، بين مختلف الفنون، على نحو فريد من التناظر الجمالي، ما جعل النص يتسم بطاقة تعبيرية هائلة، على غير المألوف من النصوص.ويعتمد النص في تشكيل مادته السردية على ما يسمى بـ (المونتاج)، والمونتاج كما هو معروف، تقنية سينمائية تقوم على توليف أو تركيب الصور، التي يتكون منها الشريط السينمائي، حيث يقوم المونتير بتحديد اللقطات المناسبة للفيلم، وربطها في وحدات متتابعة، لتكوين مقاطع متسلسلة من المشاهد .فالسارد في هذا النص، أو المؤلف (تكاد تكون المسافة معدومة بينهما) يلعب هو الآخر دور المونتير، فهو هنا يختار لقطة ويزيح أخرى، وينتقي مشهداً ويبعد آخر، مستفيداً بذلك من تقنيات فن المونتاج في تشكيل النص .يقوم (نص الصورة) على ثلاثة مستويات : مستوى الوصف، مستوى السرد، ومستوى الحوار، ويروي النص سارد ذاتي، يتأمل صورة قديمة لشارع صيني، يعثر عليها مصادفة في درج مكتبه، فتشغله لساعات طوال تلك الليلة، ثم فجأة، تهتز الصورة وكأنها ظل في نهر متحرك، ويمضي تيار الزمن في رأس السارد، ليعود بنا إلى الوراء، حيث الماضي البعيد الذي التقطت فيه الصورة، وتتحول عيناه إلى شاشة بيضاء، نرى المشهد من خلالهما، وكأنه فيلم يعرض في غرفة سوداء، حتى تتكشف ملامح الصورة تدريجياً، وكأنها دخلت مختبر تحميض. في المستوى الأول: يقوم السارد بتحديد إطار الصورة، ثم يعرض علينا ما تتوفر عليه من عناصر: شوارع ومباني وشخصيات، وطالما أن الصورة تتوفر على حقل بصري كبير، فإن هناك إذن أفقا واسعاً للفضاء المرئي، يتعذر على السارد أن يجمل موجوداته دفعة واحدة، إذ كلما تنتشر الرؤية تغدو الصورة غائمة، من هنا يسعى السارد إلى تقييد الحقل البصري وتجزئته إلى وحدات صغرى، يحاول السارد عرضها علينا بموضوعية تامة، مثلما تفعل المصوّرة السينمائية، تبدأ بلقطة بانورامية لشارع صيني، ثم لقطة مفردة صغيرة لشابة على دراجتها الهوائية، ثم، وفيما يشبه القفزات السريعة، تتجه عين السارد لتصور لنا، في لقطة من أسفل، مبنى فاحم السواد تتخاطف طيور ملمومة حول قمته، ثم لقطات جانبية لرجلين على الرصيف بقامتين متكافئتين، وعمارات متلاصقة على جانبي الشارع، وحوذي يسوط حصانه، فضلاً عن رجال بلا ملامح يدخلون ويخرجون من الأزقة.  تلك هي مجمل العناصر التي تتكون منها الصورة، وهذا المقطع الوصفي الطويل، هو عبارة عن مشهد بانورامي، يتوفر على عدد من العناصر الساكنة، يحاول السارد، أول وهلة، عرضها علينا بعين محايدة منقاة من العاطفة، مثلما تفعل آلة الكاميرا، بحيث تغدو عيناه وكأنها مرآة عاكسة  تعرض فيها المشاهد أمام أعيننا .ولكن السارد ما يلبث أن يقوم بتعديل هذا المنظور في المستوى الثاني، فبعد أن يفرغ من تصوير المشهد من وجهة نظر مراقب خارجي ورؤية موضوعية (السارد، هنا، لا علاقة له بالمشهد المرئي وليس طرفاً فيه، وهو يظل خارج المشهد المصوّر حتى هذه اللحظة)، يقوم هذه المرة بتصوير المشهد من وجهة نظر مشارك، أو منتم إلى الفضاء المرئي، بعدما كان خارجاً عنه، ومن خلال هذا المنظور يبدأ التحول الأول في الصورة :" لم أحتمل صخب الحوذي والعربة والحصان، أنزلت الحوذيمن عربته وأدخلته زقاقاً ضيقاً ينتهي بحافة على ساحل البحر،استبعدت العربة والحصان من الصورة "في هذا المشهد يعمد السارد إلى عزل بعض العناصر وإزاحتها نحو أماكن أخرى، وبدلاً من أن يخضع للمنظور الأول، فإنه يصدعه ويجزئه، ويعيد تركيبه من جديد، بحيث تتغير الصورة التي رأيناها في المستوى الأول، وتظهر أمامنا صورة أخرى مختلفة، لكن العناصر تبقى ماثلة في المشهد دون أن تختفي أو تتحلل، إنما تتحول كيفيتها وتتغير، بحيث أن العربة والحصان اللذين أبعدا عن الصورة يلبثان في الخلفية على نحو خفي، وسرعان ما يظهران مجدداً، كما سنرى في ما بعد، وطالما أن الحركة، هنا، هي حركة بالقوة لا حركة بالفعل، بمعنى أن السارد هو الذي يقوم بتحريك العناصر، ولم تقم هي نفسها بذلك، فإن المتحرك يفقد حركته الامتدادية، ويظل ماثلاً حيث هو، ما يذكرنا بالصور الصينية، التي تمنحنا مشهداً مختلفاً في كل مرة .ولم يكتف السارد بدور الراصد، فهو يلج، في ما بعد، فضاء الصورة، ليغدو جزءاً منها، بحيث يصبح ممسرحاً هو الآخر، بعدما كان يؤدي وظيفة إطارية ويظهر على المحيط الخارجي للنص وهنا يحدث التحول الثاني في الصورة: " الشابة تدفع مؤخرة حذائها بمقدم قدميها وتضغط على دواسةالدراجة، وقبل أن تعود إلى عمق الصورة ابتسمت، حييتها أنا بانحناءة الرأس ومنحتها اسما هو (سو) ومنحت الرجلينمتهدلي الثياب اسمين (وانغ لا نغ) للرجل بمحاذاة الشارعو (تشينغ) للرجل الآخر بجواره ولم أمنح الحوذي اسماً لصخبه " .ً يتماهى السارد مع اللعبة إذن، ويغدو سارداً وممثلاً في آن، وكما صانع ألعاب تستهويه لعبة الخلق، يقوم في هذا المشهد بإعادة تخليق شخوصه، وتحري

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram