محمد صادق جراد لماذا تتكرس المحاصصة التوافقية والطائفية في العراق على الرغم من عدم قناعة السياسيين بها ورفضهم لها (حسب تصريحاتهم) ؟ لماذا لم ننجح في التخلص منها على مدى سنوات طويلة من التجربة الديمقراطية؟.أسئلة كثيرة أثيرت لدى الكثيرين بعد تصويت البرلمان العراقي على النواب الثلاثة لرئيس الجمهورية .
فبينما نتطلع لبناء دولة المؤسسات الدستورية والقانونية تأتي المحاصصة التوافقية لتقضي على جميع تطلعاتنا وأحلامنا في بناء هذه الدولة , فلا يكاد يختلف اثنان من العراقيين حتى السياسيين منهم على ان المحاصصة التوافقية التي بني على أساسها النظام السياسي في العراق أسهمت في عرقلة وشلل الدولة ومؤسساتها كافة . وهذا ما صرح ويصرح به جميع من شارك في العمل السياسي في العراق على مدى سنوات التجربة الديمقراطية ويعبرون عن رفضهم وقناعتهم بضرورة التخلص من المحاصصة ألا إننا نلاحظ عكس ذلك فهي تتكرس في كل دورة انتخابية وتتجسد في تشكيل الحكومات بل وتعتمدها الحكومة في تشكيلتها بالرغم من عدم قناعة الجميع بها .ويرى البعض ان المحاصصة هي أفضل السيّئ الذي يمكن ان نقبل به من اجل ان تمر التجربة العراقية من مرحلة الخطر الذي يتوقعه البعض في حالة تشكيل حكومة أغلبية سياسية وذلك لعدم نضوج الفكر الديمقراطي لدى البعض ممن لا يتقبل تواجده خارج الحكومة ولا يستوعب ثقافة المعارضة كقيمة سياسية يمكن ان تعمل على مراقبة العملية السياسية والأداء الحكومي وخدمة المواطن من خلال جلوسه على مقاعد المعارضة ويصرُ على خدمة المواطن من خلال تواجده في المناصب والوزارات، متناسياً بان الآلية التي يتم على أساسها اتخاذ القرارات والتصويت على التشريعات والقوانين المهمة في ظل المحاصصة والتوافقية هي آلية عقيمة لا تخدم الشعب العراقي حيث سيتوقف إصدار ابسط القوانين والقرارات على موافقة جميع الأطراف التي تختلف في أيدلوجياتها وأجنداتها وربما الجهات الداعمة لها، لذلك نشهد تعطيل الكثير من القوانين لأنها ستحتاج لمناقشات مطولة ومحاولة إقناع البعض ممن يرفض القرار ويقاطع التصويت من خلال ترك الجلسة والانسحاب منها , وفي نهاية المطاف يتم الربط بين أكثر من قرار او قانون ليتم التصويت عليها في سلة واحدة لضمان تمرير ما يريده كل طرف، علما ان نظام السلة الواحدة يعكس عدم ثقة الكتل السياسية ببعضها وهناك العديد من الأمثلة لقوانين صدرت بهذه الطريقة ومنها ربط المصادقة على الموازنة بقانوني انتخابات مجالس المحافظات والعفو العام لتتم الموافقة عليها جميعا بعد تأخير طويل لا يصب في مصلحة المواطن العراقي وخاصة في مسالة الموازنة التي تتعلق بحياة المواطن ..ومن الأهمية بمكان ان نشير هنا إلى أن المحاصصة والتوافقية قد تجاوزت كونها طائفية او قومية لتصبح سياسية وتقاسماً للسلطة بين القوى السياسية فلا يمكن أن يكون التصويت على نواب الرئيس محاصصة طائفية أو قومية أو مناطقية، فالنواب الثلاثة من العرب المسلمين , وحتى مقترح رئيس الجمهورية بإعطاء منصب للتركمان لم يلاق الترحيب من القوى السياسية لنشهد تقاسما سياسيا للسلطة تحت عباءة المحاصصة الطائفية.ولهذا يمكننا القول بان محور الصراع بين القوى السياسية في ظاهره طائفي وعرقي إلاّ أنه في حقيقته سياسي انطلق منذ بداية مرحلة التغيير في العراق وحسب مواقف القوى السياسية من هذا التغيير إلا أن البعض يحاول إعطاءه صبغة أخرى لأنه متيقن بعدم إمكانية طرح وجهة نظره التي تتقاطع مع موقف الشعب العراقي من التغيير، الأمر الذي جعله يطالب بالمناصب والحقوق تحت مسميات طائفية وعرقية .وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكثير من القوى الرافضة للمحاصصة كانت تراهن على الانتخابات في إبعاد شبحها إلا إن هذه الانتخابات ساهمت في تكريسها بصورة كبيرة ليثبت للجميع حداثة التجربة وحاجة الناخب العراقي للوعي الانتخابي الذي سيؤهله في الانتخابات القادمة لتجاوز الخيارات الطائفية والمذهبية والعرقية من خلال تعاون الجميع في بث ونشر مفاهيم الديمقراطية الحقيقية والابتعاد عن الانتماءات الضيقة التي لم تجلب لنا سوى التخندق الطائفي والعرقي والذي أوصلنا إلى حالة الترهل التي تعيشها الحكومة العراقية والذي يتسبب بإهدار المال العام وصرفه على وزارات ومناصب إضافية بدلا من توجيهه لخدمة المواطن العراقي .
التوافقية في دولة المؤسسات الدستورية
نشر في: 15 مايو, 2011: 06:22 م