كل امرئٍ مكوَّن من جزءين متساويين من الضحية و الوغد في فيلم ( غير قابل للغفران )، و هو يمثّل شأناً فرنسياً إيطالياً حول الطرق التي نُخطئ فيها بحق بعضنا البعض الآخر بينما نحن نحاول أن نفعل ما هو صائب.
و هذا آخر فيلم لأندريه تيشين، من أسود السينما الفرنسية، الذي يمكن أن يكون، و هو في سن 69 عاماً، يستخدم القصة لاستكشاف مخاوفه الخاصة. فالشخصية الرئيسة، فرانسيس ( أندريه دَسوليه ) كاتب فرنسي متقدم في السن ذو عمل ناجح في كتابة روايات الجريمة و له ماضٍ رومانتيكي خليع. و هو يعمل جاهداً لإقناع نفسه بأنه من طراز الكاتب الأميركي المعروف همنغوَي بدلاً من كونه مجرد عجوز.
و في المشاهد الافتتاحية من الفيلم، يستأجر فرانسيس بيتاً في جزيرة عبر البحيرة من البندقية. و هو منغلق إبداعياً و يريد له انطلاقة كاتب. كما أنه يريد وكيلة العقار، جوديث، و نفهم لماذا تمثّل دورها كارول بوكويه. فهو سيأخذ البيت فقط إذا وافقت على الانتقال معه إليه. و ما هي إلا سنة و نصف حتى تزوج فرانسيس و جوديث على نحوٍ سعيد.
أو هكذا يبدو لنا الأمر. ففيلم ( غير قابل للغفران ) يدور حول الشك، الفجوة المتّسعة بين الأشياء التي نشتهيها و عجزنا عن امتلاكها. و يمتد هذا إلى الأطفال إضافةً للعشاق و الأزواج : إذ تصل إبنة فرامسيس أليس ( ميلاني ثيري )، لكن سرعان ما تغادر الجزيرة و تنطلق إل فينيسيا مع ألفيس ( أندريه بيرغوليسي )، و هو أرستقراطي شاب تحول إلى متاجر بالمخدرات. و ينتشر فزع الأب من اختفائها كالمرض. و يتشكك سريعاً في إخلاص زوجته، فيتجسس عليها من خلال منظار و يستأجر سجيناً سابقاً مضطرباً عاطفياً ( مورو كونت ) ليتبعها أينما تذهب.
إن الفيلم يستند على رواية للكاتب الفرنسي الوافر الانتاج فيليب جيان (Betty Blue )، و يتّسم بالمنطق الداخلي للرواية و الحس بالمكان. و ما ليس يمتلكه هو الكثير من التركيز السينمائي. فالمخرج ينتقل للوراء و الأمام وسط مجموعة شخصياته المتنامية، مراقباً محاولاتهم اليائسة للتواصل. غير أن الفيلم لا يستقر أبداً على نغمة قاطعة. و تدور مسجلة نقاط ماكس ريختر قدماً ببطء كفيلم من أفلام القلق و الإثارة، و إذا ما بدا الفيلم يتطور إلى قصة غامضة، فإن عودة ظهور الابنة المختفية أليس يقوّض هذه الفكرة. فالغموض هنا يتعلق بأشخاص آخرين. إذ أن اللغز الأكثر إغراءً في الفيلم هو جوديث، زوجة فرانسيس، التي يظهر أنها قد نامت مع كل واحد من المجموعة في أوقات مختلفة من حياتها و التي تتنقل في العالم باستحواذ ذاتي واعٍ و فاتر يتّسم بالإغاظة والجاذبية المغناطيسية. فيتهمها أحد عشاقها السابقين بغضب ــ أنتِ تُشعلين كل واحد، لكن لا أحد يُشعلك " ــ لكن ذلك ليس صحيحاً بالضبط. فكل ما هناك أن جوديث لا تحتاج إلى الناس حتى و هي تريدهم، و كيف يكون ذلك قابلاً للغفران؟
"غير قابل للغفران".. ومسألة الشك في العلاقات العاطفية
نشر في: 19 ديسمبر, 2012: 08:00 م