TOP

جريدة المدى > سينما > فيلم "آمور" للمخرج مايكل هانيكه

فيلم "آمور" للمخرج مايكل هانيكه

نشر في: 19 ديسمبر, 2012: 08:00 م

ترجمة: عباس المفرجي

دخول الفراغ
العنوان هو تحدٍ: غير ساخر، غير احتفالي، مع ذلك، الى حد ما، غير معقد ايضا. " حب " مختصر لشيء جوهري، شيء كالبقاء بعد الزوال، أو ربما العكس تماما، رغم انه لو سُميَ بـ " الامور " [ مع أداة التعريف ] لكانت مخاطرة بتورية. هذا هو الفيلم الثاني الفائز بالسعفة الذهبية لمايكل هانيكه الذي يُظهِر المخرج صانعا للأفلام جادا ومهما لا يضاهى، وهذه هي دراما مشبوبة العاطفة، مؤلمة وحميمة، يمكن أن تقارن بفيلم بيرغمان " مشاهد من حياة زوجية ". التنوّع في أفلام هانيكه كان له في الماضي هامش من السادية، لشخصياته وجمهوره معا. يتضح إنها خُفِفت قليلا في السنوات الأخيرة، وتُخفَف هنا بلا شك. شخصياته هي أقرب الى الإنسانية المتعاطفة العادية، مع نقاط ضعف وسخافات عادية. لكن لا مجال للشك بلين هانيكة. نوع من البرود المتعمد ما زال هناك.
الدراما عبارة عن تشامبر بيس [ تدور في حجرة واحدة ] تضم، في الأعم، شخصيتين، جورج وآن، معلما موسيقى متقاعدان في الثمانين من العمر، يؤدي دوريهما جان- لوي ترينتنيان وايمانويل ريفا. يعيشان في باريس في شقة أنيقة، مزدحمة بصفوف من الكتب. سعيدان جدا، اهتماماتهما في الحياة غير مضجرة، وما زالا متحابين في ما بينهما. بعد العودة من حفلة موسيقية لتلميذ سابق لهما، يقول جورج لآن بمرح وتودد إنها تبدو جميلة جدا. لكن سرعان ما تضرب الكارثة ضربتها: تتعرّض آن لأول إصابة من اثنين بالسكتة الدماغية، معتقدة بما يتضح أن يكون جنونا وعائيا. بينما كانت لا تزال قادرة على الكلام، تطلب آن من جورج أن يعدها بأن لا يضعها أبدا في مستشفى أو ملجأ؛ وهكذا، عندما تتلف حالتها، فعلى جورج أن يعتني بها في شقتهما، عناية ليست مخففة، حتى ساعتها الأخيرة. ستصبح شقتهما عذابهما النفسي. بات وجه جورج لا تحفره أخاديد العمر فحسب بل الخوف أيضا: المرأة التي يحبها تبدأ بالتلاشي أمام عينيه. حين تنحطّ حياة آن، تنحطّ معها هويتها. هل حبهما نفسه تفكك؟
طلاب أفلام هانيكه سيرون في هذا الفيلم آثار أعماله المبكرة. كما في فيلمه المروّع " لعبة مرحة "، الناس مهددون من قبل قوة مهلكة تدسّ نفسها بطريقة ما داخل حيزهم الخصوصي. على نحو شديد الأثر، ثمة دليل على محاولة إقتحام للشقة: قفل الباب المعطوب بمفك. كما في فيلم " معلمة البيانو "، الموسيقى، والعلاقات القوية من تعليم الموسيقى، هي مهمة؛ ايزابيل اوبّير، نجمة الفيلم، تعود هنا بدور ايفا، ابنة الزوجين الناضجة. و"آمور" يشابه فيلم هانيكه الكابوسي "القارات السبع"، بوجه خاص بمشهده القاسي حيث ترعب بنت صغيرة والديها بتظاهرها بأنها أصيبت بالعمى.
خطر لي ذلك أثناء متابعة اللقطات الافتتاحية لفيلم "آمور"، المستخدمة الآن في ملصق الفيلم: الإشارة الأولى لشيء ما خطأ. على الفطور صباحاً، يظهر للعيان أن آن بدأت تجمد، يرش جورج بيأس ماء على رقبتها لإيقاظها، ثم يسألها بغضب إن كانت هذه مزحة، بينما هو يدرك بالطبع أن كل هذا ليس مزاحا. وجهه متشنج بالخوف؛ وجهها بلغ الآن ذلك البياض التقليدي، الحالة الأسدية لمريض الجنون. حين تسترد آن وعيها، لا يكون لديها أدنى فكرة عمّا حدث. يحتال جورج للأمر على نحو رائع للحظة قصيرة كي تشك فيها بأنه هو من كان فقد رشده. إنه مشهد مصوَّر بوضوح ودقة نموذجيين: طريقة مبهرجة ربما تبنتها من وجه نظرها هي، لنرى أن ما تفكر فيه هو ثانية صغيرة من أحلام يقظة أو قلة انتباه تفسّر في الواقع تحوّل جورج الفجائي غير المفهوم من المحادثة السارّة إلى الصراخ المذعور. لكن طريقة هانيكه لفهم الموضوع هي صارمة أكثر ومؤثرة أكثر.
أداء ترينتنيان في دور جورج مشوش ومبهم: في كل الظروف لا يفقد هدوءه ولا ينهار. كما لو أنه بحاجة الى حفظ كل طاقته وحركته لمهمة مستحيلة قادمة. بشجاعة، بروح مرحة وبوداعة يواجه جورج وآن قدرهما، وفي ظل الموت، تكون علاقتهما مؤثرة بعمق. حين تتطور الحالة، يرينا هانيكة كيف يبدأ العالم الخارجي بفقد معناه. زيارة تلميذ سابق، ذاك الذي حضرا حفلته الموسيقية، سليمة القصد لكن أُسيء تقديرها؛ حتى ابنته وزوجها جف ( أوبّير والممثل البريطاني وليام شيميل) يكونان غير مهمين. جورج وآن متكلان، تقريبا على نحو بدائي، على بعضهما البعض. وفي أرجاء هذا كله نحن، الجمهور، وضعنا فوق شبكية عيننا صورة مومينتو موري [ تَذْكِرَة بالموت ] مروّعة من لقطات متتابعة فلاشفورورد [عكس الفلاشباك] التي يبدأ بها الفيلم. إنه إيماءة غموض ووعيد وصدمة، لا يمكن لغير هانيكه أن يبدعها. الرسالة الباردة للفيلم يمكن أن تقول إن ذلك الحب هو ليس تعزية حين نواجه الموت. بالأحرى هو العكس. الحب سيعطي لموتك معنى، لكنه لا يجعله أقل احتمالاً.
عن صحيفة الغارديان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram