خضير فليح الزيديهي واحدة من عدة ثقافات موروثة، لم نفكر بسلبياتها بجدية بعد، رغم ان لها الأثر الفاعل في السلوكيات العامة لمجتمعات الشرق بشكل عام.. تلك هي الحماسة أو ما يطلق عليه بالهيجان الشعبي.. طبعا كان من الطبيعي أن يلتفت القادة وأهل السلطة لتسخير هذه اللازمة الحياتية اليومية في تدعيم السلطات ورفدها بالجماهيرية والحشدية والتأهيل الشعبي المؤيد.. فبالحماسة نحرق.. ونقتل.. ونشجب ..وندين بل ونموت من اجل أهداف بذاتها..
وهي واحدة من أغراض الشعر العربي المهيمنة على الفضاء والمزاج العام والتي ظل يتفاخر بها الشعراء دوما ما قبل الإسلام ليومنا هذا في ديوان العرب، هي الحماسة بعينها ولا غيرها.. لكنها تختفي من الشعر الغربي، ففي الشعر المترجم لم نجد أثرا واضحا للحماسة كغرض شعري.. بل حتى البلاغة تبقى مفهوما يرتبط باللغة العربية وحدها بكل ما جاءت به أساليب البلاغة الباذخة وترطيب فنون النثر والشعر لإعلان التغّني ليس إلاّ..لو تفحصنا الفروقات العجائبية بين أفراد نتاج الثقافة العربية عن أفراد نتاجات الثقافة الغربية، حتما سنتعرف على مساحات شاسعة بين المنطق العقلاني للسلوك اليومي في التعاطي مع المتغيرات المصيرية أو تلك اليومية البسيطة، وهنا يحق لنا التساؤل عن ماهية الاندفاعات العشوائية / الهيجان / الحماسة/ الشجاعة.. التي أربكت كثيرا تقلبات الشارع وقد أدت في بعضها الى انتكاسات كبرى.. ربما هنا يسجل البعض عما رافق روح الحماسة من توجهات ايجابية مرافقة، هذا صحيح، لكن الكم الهائل من التلقي الجماهيري وردود الفعل السلبية المرافقة والمصحوبة بحماسة فائقة، قد أعطى مبررات سلبية لكثير من مزاجية المجتمع وهواه في النفور والقبول المصاحب للحماسة.. وأعتقد إن البعض له دراية مفرطة في فنون الاستثارة لإبراز عنصر الحماسة الجماهيرية وفنون التسخير.. حتى غدت تلك القدرة من فنون القيادة لشعوب ذات إيقاع مرتبك..أعتقد إن الموضوع لم يعد سراً في جذور حاضنة كبرى كالحماسة.. للسلوك اليومي الملازم لكل الفعاليات اليومية في الشارع العربي والعراقي.. إن واحداً من جذور الموروث السلوكي هو ثقافة الشعر العربي الذي بقي مهيمناً قامعاً لكل ما يخالف التوجه الشعري/ الموسيقي للغة العربية، واحداً من أغراض الشعر العربي هو الحماسة والتي تتوافق مع العرق والسلالة المنتفضة على الدوام.. نعم لقد تدخلت البيئة الصحراوية في إرساء قاعدة تنسجم مع اندفاعات حماسية هائلة، وما أن اختلطت الصحراء وتمازجت بالمدن، حتى غدت الشوارع تنوء بهيجان يومي يؤثر في بنى المجتمعات ويحركها باتجاهات شتى.. ولا غرابة ان تكون لغة التصفيق وموسيقاه هي المهيمنة في قاعات تقاذف الشعر الحماسي المعد لهذا الغرض مسبقا.. إن الحماسة كثقافة مستشرية قد تأكل من جرف العقل كثيرا، ومن المنطق العقلاني المتروّي والتفكير في كل ظاهرة من ظواهر المجتمع، وقد ينسحب الأمر على كثرة الصراخ الحماسي في المهرجانات والمؤتمرات، تبدأ هكذا تجمعات بقصائد الحماسة ويصاحبها في ذلك فواصل التصفيق، وتنتهي نهاية اقل ما يقال فيها إنها نهاية احتفائية تخدم أغراضا ما على حساب ناصية الفكر، الذي لطالما نحتاجه اليوم كسبيل للارتقاء..
من أين تأتي الحماسة ..؟
نشر في: 20 مايو, 2011: 05:09 م