حسين علي الحمدانيفي كتب التاريخ كنا نقرأ عن بلاد الرافدين ، وكنا نردد أسماء دجلة والفرات وكيف تلتقي لتشكل شط العرب ، وشط العرب هو بداية طريق العراق صوب البحر ، وكثيرا ما سمعنا قديماً عن مقولات لخبراء عالميين كانوا يقدمون نصائحهم للحكومات العراقية منذ ولادة الدولة في عشرينيات القرن الماضي حول استثمار مياه النهرين في جعل كل العراق أرضاً خضراء ، ولكن نصائح هؤلاء الخبراء كانت تذهب مع ( سموم الصيف )
وكأنها غير مهمة وغير مجدية وظل دجلة يجري والفرات معه وظل شط العرب يصب في الخليج وبقينا نحافظ على صحرائنا التي أخذت تتسع يوماً بعد آخر،لتتشكل مع مرور الزمن مجموعة تحديات أثرت كثيرا في مسارات حياة الإنسان العراقي لأننا بتنا الآن نواجه هذه المخاطر دفعة واحدة بعد أن تراكمت علينا ، ليتأكد لنا أن مخاطر كثيرة تحدق بالعراق منها الداخلية والتي تتأثر بالحراك السياسي داخل البلد وانعكاساته على الوضع الأمني، وأيضا ما يمكن تسميته بالصراعات الداخلية التي تستفيد منها جهات عديدة كالقوى الإرهابية أو حتى بعض دول الجوار ودول العالم الأخرى التي ترى بأن انقسام القوى السياسية العراقية ووجود أكثر من مصدر للقرار والتصريح من شأنه أن يوجه رسائل عادة ما تكون خاطئة لأطراف عديدة يدفع العراق ثمنها أضعافاً مضاعفة.ومنذ عام 2003 وحتى يومنا هذا وجدنا ثمة ازدواجية كبيرة في تعامل القوى السياسية مع المخاطر المحدقة بالعراق ونقصد هنا بالمخاطر الداخلية والخارجية ، وهذا ما ترك آثاراً كبيرة على العراق أمنياً واقتصادياً وسيادياً ، وتجلى ذلك بوضوح في مسائل عديدة أهمها مسألة مياه نهري دجلة والفرات وكمية السدود التي اقامتها تركيا وسوريا وتأثير ذلك على الأمن المائي للعراق وتداعياته على مستقبل الزراعة في البلد، ثم جاءت قضية مياه البزل الإيراني وما سببته من خسائر كبيرة للأراضي الزراعية،ناهيك عن القصف المستمر للقرى الحدودية في كردستان من قبل المدفعية الإيرانية والتركية . ولعل البعض ينظر لهذه الأحداث وغيرها بمنظار يراد من خلاله الإضرار بطرف معين من أطراف العملية السياسية على حساب سيادة البلد واقتصاده ومستقبل أبنائه،وهذا ما يمكن تشخيصه بسهولة من خلال استذكار الأحداث في السنوات الماضية وما تم خلاله من قيام بعض القوى السياسية وبعض السياسيين الذين وجدوا في تعطيل الكثير من الجوانب الاقتصادية في البلد يصب في مصالحهم الشخصية وارتباطاتهم الخارجية وحتى مصالحهم وأعمالهم، حيث وجدنا تعطيلاً تاماً لمشاريع كبرى كان بإمكانها أن تخدم البلد كثيرا ومنها على سبيل المثال لا الحصر ميناء الفاو الكبير الذي وجد هذا المشروع من المماطلة والتسويف ما جعله مجرد حجر أساس أسوة بالكثير من المشاريع التي وضع حجر أساسها في عقود مضت دون تنفيذ ، البعض فسر هذا التسويف على انه يخدم مصالح دول مجاورة للعراق تعمل موانئها ليل نهار لتوريد بضائع للعراق ، وهذا الحال ينطبق على مطار البصرة الذي انتهى العمل به منذ سنوات دون أن يدخل الخدمة الفعلية لذات السبب رغم أهميته الستراتيجية ، وبالتالي وجدنا أنفسنا نحن كشعب بأن ثمة خيارات تفرض علينا في جوانب ربما كان يتصور البعض منها بـأنها ليست مهمة ولا تمثل هذا الحجم من المخاطر التي نتحدث عنها الآن دون أن نستنتج بأننا كنا جزءاً من ولادتها وصيرورتها وتضخيمها لهذه الدرجة التي نعيشها اليوم والتي من شأنها أن تغير الكثير من الحقائق المعروفة عن العراق تاريخياً وجغرافياً.نحن اليوم أمام تحد كبير جدا، وهذا التحدي يتمثل في إنشاء دولة الكويت ميناء مبارك والذي من شأنه أن يخنق العراق ويجعل منه بلا مياه إقليمية وحدود بحرية، وبالتالي يغير كثيراً من جغرافية العراق ويفقد البلد الكثير من خواصه، وفي مقدمتها كونه بلداً بإطلالة بحرية أولاً ، وينهي موقعه الستراتيجي الذي طالما تغنينا به وما زلنا ، حيث يمثل هذا الميناء نهاية العراق مع العالم بحريا ويجعلنا نعتمد كليا على موانئ الآخرين في تجارتنا الخارجية ولا يستبعد أن يكون اعتمادنا على ميناء مبارك في توريد وتصدير البضائع من وإلى العراق .فما هو المطلوب من العراق الآن ؟ بالتأكيد العراق ليس بإمكانه عبر مذكرات الاحتجاج الرسمية ولا عبر مسيرات التنديد من أن يوقف العمل بهذا الميناء ، وليس بإمكان الجامعة العربية مثلا أن تحقق لنا هذا ، بل يتطلب الأمر تحركاً عراقيا ًسريعاً صوب المجتمع الدولي ومجلس الأمن ، خاصة وإن المجتمع الدولي متعاطف مع العراق وتجربته الديمقراطية وبالتأكيد فإن الاتفاقيات الدولية بشأن الحدود البحرية والمائية بين الدول تكفل حق العراق في سيادته على مياهه الإقليمية وفي نفس الوقت تحافظ على حقوق الدول الأخرى . وبالتأكيد فإن الكثير من الدول ومنها الكويت التي عانت من حقبة نظام المقبور صدام حسين، عليها أن تتعامل مع العراق الجديد بشكل يؤمن استقرار المنطقة عبر توفير الأجواء الملائمة لعملية الاستقرار هذه، وفي مقدمتها الاستقرار الاقتصادي وعدم خلق أزمات من شأنها أن تظل حقول ألغام ممكن أن تنفجر في أية لحظة يجد فيها جيل عراقي أو كويتي نفسه مضطرا لتفجيرها تحت أي ضغط كان أو سيكون في حينه . وبالتالي علينا أن نقول بأن حقبة النظام الصدامي قد انتهت ويجب أن تنتهي معها أجنداتها ومساراتها وفصولها التي أرهقت الشعب العراقي والمنطقة بأسرها، ولعل ما نعيشه الآن هو من تداعياتها وعل
خطر أن يكون العراق بلا مياه إقليمية
نشر في: 20 مايو, 2011: 05:16 م