اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > أبوط آباد تسرق الأضواء من كل "الآبادات" الأخريات

أبوط آباد تسرق الأضواء من كل "الآبادات" الأخريات

نشر في: 20 مايو, 2011: 05:17 م

د. عبد الله المدنيحينما يفرد المرء خارطة جغرافية تفصيلية لباكستان، فلا بد من أن تقع عيناه على عشرات المدن التي ينتهي اسمها بكلمة "آباد" التي تعني بالأوردية، وكذا بالفارسية "المكان المأهول بالسكان" أو الحواضر بعبارة أدق، فيما شطره الأول عبارة عن اسم علم لشخصية تاريخية أو سياسية.وهكذا نجد مدنا مثل "فيصل آباد" نسبة إلى العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز، و"جهان آباد" نسبة إلى الإمبراطور المغولي المسلم "شاه جهان"، و"جناح آباد" نسبة إلى مؤسس باكستان "محمد علي جناح"، إضافة، بطبيعة الحال، إلى مدينة "إسلام آباد" العاصمة.
غير أن "أبوط آباد" (هكذا يكتبها الباكستانيون، لكن مع وضع حرف الطاء فوق كرسي ككرسي الهمزة) سرقت مؤخرا الأضواء من كل هذه "الآبادات"، بل من كل المدن الباكستانية الأخرى، قديمها وحديثها، واحتل اسمها صدارة نشرات الأخبار ومانشيتات كبريات صحف الدنيا. ففيها حدث ما انتظره العالم منذ نحو عقد كامل من الزمن، ألا وهو قتل المطلوب الأول للعدالة "أسامة بن لادن" في الثاني من مايو/ أيار الجاري داخل مجمع سكني حصين في هذه المدينة التي تقع على بعد 50 كيلومترا إلى الشمال من "إسلام آباد"، وعلى بعد 150 كيلومترا إلى الشرق من بيشاور، في منطقة خيبر الجبلية، داخل ولاية "باشتونخوا" (كانت تعرف إلى وقت قريب بولاية الحدود الشمالية الغربية)، ويسكنها طبقا لآخر إحصائية نحو 125 ألف نسمة.وكغيرها من "الآبادات" الأخريات، فإن لاسمها الغريب قصة. إذ اختير الشطر الأول من اسمها تيمناً باسم الرجل الذي أسسها في عام 1853 ، وهو الميجور "جيمس أبوت" الضابط في قوات الهند البريطانية، والذي يـُقال أنه عشق هذا المكان من الوهلة الأولى، وطاب له العيش فيه، بدليل وجود قصيدة من تأليفه تشع أبياتها هياماً بالمدينة و غراماً بجمالها وطيب هواها، وهي أمور دفعت البعض إلى تسميتها بـ "كلورادو مصغرة" - مع فارق وسائل الرفاهية والترفيه ودرجة التقدم -  نظرا لما يحيط بها من مرتفعات خضر في الربيع، وبيض مكسوة بالجليد في الشتاء، ناهيك عما يوجد بها من منتجعات لقضاء الإجازات.في قصيدة "جيمس أبوت" المذكورة والتي يبدو أنه كتبها يوم أن اضطر إلى مغادرة "أبوط آباد" إلى الأبد، نقرأ:أتذكر اليوم الذي جئت فيه للمرة الأولى إلى هنا.شممت وقتها رائحة "أبوط آباد" الزكية.الأشجار والأرض كانت مغطاة بالجليد وجدنا منظراً آسراً.بالنسبة لي كان المكان حلما من الأحلام.من بعيد كانت الجداول تجري.و نسائم الهواء تهب كما لو كانت ترحب بنا.وأشجار الصنوبر تتمايل محدثة خشخشة.وطيور القوّال تصدح بأغنياتها الرخيمة المبهجة.لقد عشقت المكان من أول نظرة.كنت سعيدا بالمجيء إلى هنا.مضت علي ثماني سنوات كلمح البصر. ربما نغادرك في ظهيرة يوم مشمس.آه يا "أبوط آباد" علينا أن نغادرك الآن.سوف أنحني إجلالاً لطبيعتك الخلابة.ربما أصوات رياحك لن تبلغ مسامعي بعد اليوم.هديتي لك بضع دمعات حزينة.أودعك بقلب مثقل.ذكرياتك لن تنمحي من مخيلتي.وبطبيعة الحال، لم يتخيل "جيمس أبوت" يوم أن كتب هذه القصيدة أن يتحول المكان في غضون بضعة عقود إلى مصيف مشهور، ومقر لعدد من معاهد باكستان التربوية الراقية، وأحد أشهر أكاديمياتها العسكرية، فضلا عن احتضانها قوات "الغوركا" النخبوية، وقوات سلاح الحدود المدرعة، والكتيبة العسكرية الضاربة التابعة للفرقة الثانية في الجيش الباكستاني. وبالمثل لم يكن الرجل يتوقع أن تنال معشوقته نصيبها من الزلزال الذي ضرب كشمير في عام 2005 ، فيزول الكثير من مبانيها الأثرية القديمة، لكن دون إصابات كبيرة في الأرواح.لكن الأهم أنه لم يدر بمخيلة "ابوت" المؤسس أن مدينته ستصبح مكانا يحتضن أكبر الهاربين من وجه العدالة وأشهرهم، وهو الأمر الذي لئن فاجأ الكثيرين، فإنه لم يكن بمستغرب عند آخرين كثر ممن تابعوا الشأن الباكستاني منذ أن تحولت هذه البلاد من جبهة قتال للمجاهدين الأفغان ضد الغزاة السوفييت وحلفائهم في كابول إلى جبهة قتال ضد الإرهاب العالمي تحت قيادة واشنطن. وتفصيلا للشق الأخير نقول: لقد كان من السخف والغباء ابتداء الافتراض بأن بن لادن يختبئ في أماكن معرضة للقصف الجوي أو التفتيش والتدقيق الفجائيين أو المسح العسكري الشامل، مثل كهوف وزيرستان والمناطق الحدودية المحاذية لأفغانستان والأحياء الكئيبة المظلمة في كراتشي (حيث يتركز معظم الهاربين من وجه العدالة من القتلة والمجرمين ومروجي المخدرات والنصابين) والجزء الجنوبي من البنجاب الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى معقل للبنجابيين الطاليبانيين، وشهد في عام 2002 مقتل مراسل صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية المخطوف "دانيال بيرل". وبكلام آخر كان العقل والمنطق يقولان بأن الرجل يختفي إما في أماكن مكتظة بالبشر، من تلك التي يصعب فيها تتبع ومراقبة تحركات شخص ما، ويسهل فقدان أثره، وإما داخل منشآت حصينة محمية من قبل جهاز الاستخبارات الباكستاني الذي لا يحتاج المرء إلى ذكاء وعبقرية للاستدلال على دوره المزدوج أثناء وبعد الحرب الأمريكية على أفغانستان.لقد ردد قادة باكستان مرارا وتكرارا في السنوات الأخيرة القول بأن أسامة بن لادن غير متواجد فوق أراضيهم، بل ذهب الرئيس السابق الجنرال "برويز مشرف" خطوة أبعد من ذلك حينما عب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram