كربلاء /علي العلاوي لم يكن طالب المرحلة الأخيرة في التربية الرياضية يحب أن يرتدي زي متسول في حفل تخرجه، متمنيا أن تكون ملابس "اديداس" أو "نايك" الرياضية هي ما يرتديها في نهاية مشواره الدراسي في جامعة كربلاء. إلا انه أراد إيصال رسالة ما بعد الدراسة كما يراها، متسولا لا يختلف حاله على باقي أقرانه المتخرجين الذين أصبحوا من ضمن صفوف "الجيش العاطل". وعلى تصاعد نغمات الأغاني المختبئة باستحياء وراء أشجار الحديقة راح الطلبة يقفزون ويتمايلون بخجل واضح، وقسماتهم على الرغم من الفرح كانت تحمل حزنا وخوفاً من البطالة التي تنتظرهم على أعتاب باب الجامعة.
محمد الأسدي الطالب في جامعة كربلاء أعرب عن سعادته بيوم تخرجه، لكنه يقول "بالأغاني والرقصات أردنا التمرد على كل شيء كون السعادة التي كنا فيها لأربع سنوات مضت ستتبخر حالما نتخرج ونكون في معارك دامية مع الآباء للبحث عن العمل المفقود، فالأهل سيسألون: هل وجدت وظيفة؟ والإجابة ستكون: بالطبع لا.وفي جانب آخر من الجامعة اجتمع عدد من الطلاب بشكل غريب يبدو لك وكأنهم يمثلون فصلا من مسرحية. ارتدى بعضهم قناع "زورو" الشهير مكشوف العينين، واخر تخفى بزي الرجل الوطواط، وبأشكال أخرى تشبه وجوه الوحوش، وفريق آخر ارتدى ملابس الضابط العسكري، ومنهم من جعل نفسه محاربا من القرون الوسطى، ومنهم من وضع العصابة على عينه اليمنى ووضع الخنجر في وسطه ليعلن نفسه قرصان التخرج، ويساعده الرجل "الابضاي" السوري في صورة تربط بين واقعين متناقضين. إلا إن طلبة كربلاء تمكنوا من جمعهم في زمن ومكان لينظموا حفل تخرج أرادوه رسالة مفتوحة لكل المسؤولين في البلد، كما يقول المتسول الذي راح يطوف في ساحات الجامعة، ويعلن عن أفكاره بصيغه "التسول" باحثا عن مسؤول أو كاميرة صحفي. ويتحدث عن رسالته قائلا: سأتخرج هذا العام وربما سألجأ إلى التسول لكي احصل على قوت يومي، لأني من عائلة فقيرة، جعلتني خلال سنوات الدراسة الأربعة خاليا من المسؤولية، وان والدي كان يوفر احتياجاتنا إلى أضيق الأشياء لكي انجح، وعليه الآن بعد التخرج أن أعيد جزءا من الوفاء. ثمة بهجة من نوع آخر رسمها الطلبة في هذا اليوم، ربما ينظر إليها من لا يحتفل بأنها حركات صبيانية. إلا إن الطالبة سارة ياسر تقول إن هذا الفرح كنا لا نعير له أهمية خلال السنوات الماضية ولكن لا يشعر بحلاوته إلا من يدخل في نهاية مشواره الدراسي، لأنه يعني انتهاء فترة اللامسؤولية والدراسة إلى حقبة البحث عن الاستقرار أو كما نسمع عن المستقبل. إلا أنها من جانب أخر تفضل البحث عن الزواج إذا ما أرادت الاستقرار لان الوظيفة أصبحت أملا قد لا يتحقق. فيما علق فريق آخر من الشباب المتخرج يافطات طويلة وملونة على جدران أبنية الكليات، جميعها تحمل بين عباراتها روح التهكم والاستهزاء، وهي رسالة كما يقول الطالب احمد الغانمي عنها بأننا نسخر من مستقبلنا الذي لا نرى أملا فيه. وكتب على يافطة كلية العلوم (اشتري زحل) و(برونه الذمة) و(نعيما مريخ) و( فيترية ابو يوسف،توجد تعيينات في كوكب فيكو). في حين علقت يافطة طويلة جدا غطت طابقين من إحدى بنايات الجامعة، كتب عليها طلبة قسم التاريخ: (التاريخ يتحدى الملل) و (أقوى أفلام الأكشن التاريخية) وغيرها من التعابير التي تؤكد صعوبة الحصول على فرصة تعيين بعد التخرج.أما طلبة قسم اللغة العربية فعلقوا هم أيضا يافطة كتب عليها بطريقتهم الخاصة (المدرسة البصرية تعلن.. سوف يتم تعيين الدفعة المتخرجة قريبا جدا جدا جدا جدا جدا في عام 2099 م) في حين كتبت عبارة في مقابلها تقول (المدرسة الكوفية مفتوحة عليكم وسوف يتم تعيين المتخرجين عام 1521 هـ). في دلالة عن أن كل الوزارات قد اكتفت و"انتخمت" بالموظفين.فيما تعتبر الطالبة مها أن فرص العمل في القطاع الخاص قليلة أيضا وأصبحت تخضع للواسطة والمعرفة ولم تعد تختلف كثيرا عن الدوائر الحكومية.بينما تبتعد إيمان عن حديث زميلتها الأخيرة لتقول: لا أفكر إلا بالزواج وإذا ما أراد الزوج أن اعمل لمساعدته، فلن اعترض لأني خريجة كلية التربية وربما اعمل بشهادتي، لكني أفضل الآن البحث عن "عريس"، وسأكون ممتنة إن جاء احدهم وطلب يدي. بينما تفكر الطالبة مروة علي بإكمال دراستها العليا، لأنها الأولى على كلية التربية الرياضية. مؤكدة إنها غير متفائلة بالتعيين مباشرة بعد التخرج لذلك وضعت سلما للأولويات، يبتدئ بالدراسات العليا ومن ثم التعيين وبعدها الزواج، لأنها لا تريد الجلوس في البيت للطبخ والتنظيف. وكان أغرب تعليق طرحه الطالب محمد الطرفي، قائلا سأكون عداءً اركض خلف التعيين أو سائق (مخدة) في شركة النوم العميق والخاصة بالخريجين العراقيين. مشيرا إلى إن حلم الشاب العراقي منذ القدم لا يشبه أحلام الآخرين، فالشباب في الدول الغنية تبحث عن السفر إلى دول العالم للراحة والاستجمام ومن ثم العودة إلى العمل والزواج، بنما نحن نبحث عن التعيين. مستذكرا حالة آخيه الذي تخرج منذ عامين وهو (سائق مخدة) لم يحصل على تعيين ولم يتزوج. معتقدا انه سيتحول من شخص مدل إلى عامل يحمل (طاسة الاسمنت) على كتفه.
طلبة كربلاء يسخرون من الوعود الحكومية
نشر في: 20 مايو, 2011: 07:13 م