فؤاد نوري البزاز قرأت رواية الأمريكان في بيتي للأديب نزار عبد الستار في ليلة واحدة، ولساعات متواصلة وهذا لم يحصل لي مع أي عمل سردي مماثل من قبل. إن الانطباع الأول الذي يتولد عند أي قارئ لهذه الرواية الصادرة مؤخرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت
انه أمام عمل فيه إغراء وحرفية عالية وفيه مقومات الجذب فضلا عن الجماليات الغزيرة التي يتمتع بها أسلوب نزار عبد الستار ولغته العاطفية. الأمريكان في بيتي رواية تختلف عن كل ما كتب في السنوات الأخيرة عن التجربة العراقية بعد عام 2003. والواضح ان نزار عبد الستار كان صبورا إلى درجة انه انتظر طويلا ريثما تنضج الصورة وتتضح. علما ان آخر إصدار له كان كتاب رائحة السينما وهو مجموعة قصصية صدرت طبعتها الأولى ببغداد عام 2002. أي ان نزار عبد الستار انتظر تسع سنوات حتى خرج لنا بالأمريكان في بيتي، وهي فترة زمنية طويلة جدا ولكنها حفلت بمنجز ثمين.تحكي الرواية قصة صحفي يدعى جلال يعمل مع منظمة سرية عريقة اسمها الدومنيكوس ويحاول في الوقت نفسه المحافظة على قلادة تاريخية تعود الى الملكة شمشو زوجة آشور بانيبال مودعة عنده وتسعى جهات مجهولة بدعم من ضابط أمريكي كبير للحصول على هذه القلادة على فرضية انها تعود للنبي الإسرائيلي ناحوم. وتتوالى الأحداث في سرد بوليسي مشوق ،إذ نجد جلال يقوم بتفويض من رئيس الدومينكوس بالمحافظة على معالم ثقافية في مدينة الموصل مهددة بالاندثار مثل قصر بني التاريخي الذي يعمل جلال على تحويله الى بيت للموسيقى والفنون، وكذلك يعمل على استعادة مخطوطات كان الجيش الأمريكي قد استولى عليها بحجة صيانتها. كما يقوم جلال بالمحافظة على مكتبات شارع الدواسة وسينما الأندلس إلا ان أعماله تواجه بالعنف من قبل جهات مجهولة ما يصعد المواجهة بين الطرفين. ووسط هذا النسيج تبرز شخصية نسائية مثيرة هي مناسك الصحفية التي تنذر نفسها لأحلام جلال وتطلعاته الداعية الى الإصلاح وترتبط معه بقصة حب. وفي التفاتة رومانسية من جلال يقوم بإيداع القلادة عند مناسك التي ترتديها مستشعرة قوتها الإيحائية. وتنتهي الرواية بالظهور العلني لأعضاء المنظمة في ما يشبه الثورة حيث يتحرك الجميع للمحافظة على المكتبات وسينما الأندلس وقصر بني.لقد نجح نزار عبد الستار في نسج أحداث روايته وتركيب صورها من خلال ربط الرمز التاريخي بالحاضر. كما نجح بشكل باهر في التعبير عن القضية العراقية باعتبارها صراعاً من أجل استعادة المسار الحضاري ومقارعة التخلف الذي تنشره قوى الإرهاب والظلام. لقد رسمت الرواية صوراً مشرقة للإرادة والتطلع نحو المستقبل، وهذه الثيمة للأسف نفتقر إليها في الرواية العراقية. ان ما يثير الانتباه في هذه الرواية انها تخلو من كره الذات والانزواء في التغريب كما لا نلحظ الانهزامية والتشتت وانما يبرز فيها الإصرار والحب والإيمان بالنفس. وما يحسب لنزار عبد الستار في هذا العمل هو تكامل الصنعة فالرواية زاخرة بصور جميلة، فضلاً عن الحوار الذي وظف بطريقة غاية في الكمال وبإيقاعية شعرية ويكاد القارئ لا يعثر على شيء فائض في هذا العمل.  إن أهمية هذه الرواية من وجهة نظري تكمن في أنها أول عمل يكتب من الداخل عن الوضع العراقي في أعقاب 2003 وهي وان جاءت بإطار تشويقي وبوليسي إلاّ أنها تطرح ثيمات كبيرة لم يسبق طرحها فكل ما كتب عن مرحلة التغيير العراقية جرى أدلجته واجزم إن أيا من الكتاب العراقيين الذين كتبوا عن التواجد الأمريكي في العراق وحالة الدمار التي اجتاحت البلاد لم تتوفر له فرصة رؤية جندي أمريكي يسير في الشارع. أغلب تلك الروايات كتبت من الخيال ولا تستند إلى الواقع، بل هي منقطعة تماما عنه لذلك لم تلق الاستحسان والاهتمام.إن رواية الأمريكان في بيتي تمتلك قوة متفائلة كبيرة وهي تحفز نحو الارتقاء بالإنسان وتبشر برواية التجديد، فالأدب العراقي لم يعرف نمطاً كتابياً كهذا، فضلاً عن التماسك الفني وجماليات الأسلوب وخلو الرواية من التعقيدات التي تعانيها الرواية العراقية.