باسم عبد الحميد حمّوديهذا البيت –على ما يظهر – هو رابع او خامس بيت يسكنه الجواهري الكبير في بغداد ولكنه الأحب إلى قلبه لأنه أول بيت يملكه ببغداد بفضل جهود جمعية بناء المساكن للصحفيين التي تأسست فور تأسيس نقابة الصحفيين عام 1959 التي كان الجواهري أول نقيب فيها. سبقت هذا البيت بيوت كان الجواهري يستأجرها منذ أن عمل مع الملك فيصل الأول،إذ كان بيته في محلة الشيخ بشار ثم غادره الى دار اخرى في محلات الخشالات والاعظمية وجديد حسن باشا قبل أن يرتحل إلى مدينة الحلة مدرسا في ثانويتها حيث فصل من الوظيفة لقصيدة كتبها ونشرها ضد البلاط.
بعد سنوات هاجر الى سوريا بدعوة من أحرار العرب لحضور الحفل التأبيني لعدنان المالكي حيث قرأ قصيدته في المالكي والتي جاء فيها :خلّفت غاشية الخنوع ورائيوأتيت أقبس جمرة الشهداء وتطلب منه ذلك عدم العودة إلى العراق ولوحق أمنياً، لكنه عاد محتفى به بعد قيام ثورة14 تموز ليستأجر داراً واسعة في محلة النصة في الاعظمية مطلة على دجلة حيث اجتمع عنده – بعد أحتفاءات متعددة-عدد كبير من الأدباء والشعراء لوضع أسماء الهيئة التحضيرية لاتحاد الأدباء العراقيين وكان من حضّار تلك الأمسية الجميلة : نازك الملائكة وصلاح خالص ومهدي المخزومي وعلي جواد الطاهر وسعدي يوسف والعاملان رشدي وماجد وعلي الحلي ونزار عباس وخالد الشواف وكاتب هذه السطور ولميعة عباس عمارة وصبرية الحسو وعدنان الراوي وغيرهم. وعندما تشكل اتحاد الأدباء تشكلت معه نقابة الصحفيين فصار الجواهري رئيسا للاتحاد ونقيبا للصحفيين في آن . ومن ثمرات النقابة تأسيس جمعية بناء المساكن التي رأسها المرحوم عبد الكريم الصفار الذي استطاع –بمعونة الجواهري – الحصول على ارض تملكها الدولة عند جسر الخر ارتفعت فيها أبنية دور الصحفيين وفي مقدمتهم الجواهري –بمساعدة هندسية من فريد الأحمر – وابتنى الصحفيون –لأول مرة في حياة بعضهم- دوراً ومنهم عبد القادر البراك وشاكر الجاكري وصالح سلمان وموسى جعفر ويحيى قاسم وطه الفياض ومنير رزوق وعشرات غيرهم . كان بيت الجواهري بسيطا ولكنه جميل الشكل والعمارة، إذ بعد المدخل الذي يتوسط ومساحتين صغيرتين من الحشائش والآس ندخل مباشرة الى البهو الواسع الذي لا ينقطع عنه الصحفيون والنقاد والشعراء والرواة وزوار العراق أيامها من أدباء وفنانين عرب وأجانب . كان بيت الجواهري في حي الصحفيين أيامها محجة فكر وشعر ومنتدى سياسة .مطلع عام 1960 اشتد الخلاف بين الصديقين: الجواهري والزعيم عبد الكريم قاسم بسبب الأوضاع السياسية العامة إذ وقف الجواهري –كدأبه – مع اليسار وتحقيق الديمقراطية وفتح صحيفته المسائية الشهيرة (الرأي العام) لأقلام الكتاب المدافعين عن السلم في كردستان وتحقيق الديمقراطية للعراق، وأمسى بيت الجواهري،وصحيفة (الرأي العام) واتحاد الأدباء ونقابة الصحفيين أمكنة لاجتماعات واتصالات بين قوى اليسار وما لا يستطيع زكي خيري وعبد القادر إسماعيل وعبد الرحيم شريف الحديث فيه علانية مع ممثلي القوى الديمقراطية الأخرى يكون بيت الجواهري في حي الصحفيين هو الملاذ. بذلك كان بيت الجواهري قد شكل تاريخه الخاص الذي فارقه الجواهري مضطرا إلى براغ بعد إن تعرض للمحاكمة والتعريض وأغلق الرأي العام وأغلقت الدار معاً. تقلبت بالدار الصروف بعد سنوات وسكنها بعض أولاد الجواهري واستأجرت ثم بيعت اليوم ويا للأسى والدول المتحضرة تحافظ على بيوت عباقرتها وحسنا تسعى أمانة بغداد إلى الحصول على حقوق تملك هذا البيت الحافل بالكثير ويكفيه ان يكون بيت الجواهري الذي سمعنا فيه أحلى القصائد وشهدنا فيه أمتع النقاشات وأهمها بيت الجواهري أيها السادة جزء من تاريخ العراق الحديث والحفاظ عليه مهمة وطنية وثقافية كبرى.
ذكريات عن..بيت الجواهري فـي حيّ الصحفيين
نشر في: 22 مايو, 2011: 05:41 م