فيصل لعيبي عندما توفي الكاتب الروسي الكبير (ليون تولستوي)، قال عنه المبدع (خليل مطران): " كان تولستوي أعظم من (القيصر)" ، أما عندما تم سجن احد أ نصار أفكار تولستوي الإنسانية، وأراد تولستوي إخراجه وتقديم نفسه بدلاً عنه، لأنه كان السبب في سجنه،
رد عليه مدير الشرطة، قائلاً: "يا سيدي أن سجننا أصغر من أن نضع فيه تولستوي" ، وفي مقارنة أقرب لنا ، امتنع (الجنرال ديغول)عندما كان رئيساً للجمهورية، أيام ربيع باريس عام 1968، من أن يضع الفيلسوف(جان بول سارتر) – يلفظ سارت - في السجن راداً على من اقترح عليه ذلك: " أين أذهب من التاريخ لو إنني وضعت (فولتير) عصرنا في السجن ؟ ". وكان سارتر وقتها يحرض الشباب ويدعوهم إلى قلب الجمهورية الفرنسية الخامسة، وتغيير النظام، كما هو حال شبابنا اليوم.rnولكن ماذا عن مبدعي عراقنا ؟مات (الرصافي) وهو لا يملك حتى الفراش الذي ينام عليه، وكان في آخر أيامه يبيع السكائر، بينما كان نداً للأمير (فيصل بن الحسين) في مجلس نواب بني عثمان وقبله كادت رصاصة أحد دعاة التخلف ان تطيح بشاعرنا المتفلسف (جميل صدقي الزهاوي) ، عندما دعا المرأة العراقية إلى التحرر من قيود الماضي البغيضة، أما (السيّاب) ! فقد طردت " حكومة الثورة " عائلته من بيتها في اليوم الذي وصلت فيه جنازته من الكويت، في جوٍ ممطرٍ حزين.كانت أول مرة أشاهد فيها (الجواهري محمد مهدي)، حياً نابضاً، هي في الذكرى الأربعين لميلاد (الحزب الشيوعي العراقي)، حيث وقف على خشبة المسرح ليصدح بصوته الرخيم والمجلجل والعميق بقصيدته :(سلاماً) : -"سلاماً في يقضتي والمناموفي كل ساعٍ وفي كل عامتهادت طيوف الهداة الضخامتطايح هاماً على إثر هام***سلاماً ومنذ العصور الخواليزهت بالشريد رؤوس الجبالودقت مسامير خجلى عطاشىبكف المسيح فطارت رشاشابقايا دمٍ للعصور الخوالي".rnكان السكون يخيم على الجميع في قاعة الخلد، وقد حضر الاحتفال(صدام حسين) ومجموعة من قياديي (حزب البعث)، و(الجبهة الوطنية) في اول أيامها، التي كان فيها البعض من الشيوعيين والبعثيين من أصحاب النوايا الطيبة والمخلصين لوطنهم، يحاولون صنع عجيبة من عجائب العراق المتعددة، بعد أنهار الدم والجريمة التي ميّز فيها حزب البعث تاريخه وتاريخ العراق ، وكان البعض منهم يفكر في قلب صورة الماضي والبدء في كتابة تاريخ جديد للعراق والعراقيين، والذي لم يتم مع الأسف ، إذ تغلّب الشقاة و البلطجية على أصحاب النوايا الخيّرة، فدخلنا في حمامات الدم، والحروب والمقابر الجماعية والدمار الشامل، الذي نعانيه حتى الآن.كان الجواهري يهدر بكلماته، وصدى صوته يرج القاعة الضخمة، والنفوس محتبسة، كانت دموعي تنزل بهدوء على خديَّ، ونفسي تمور في صدري وجوانحي، غير قادرٍ على حبسها أو لجامها، فهذه أول مرة يظهر فيها الشيوعيون الى العلن بعد مذابح شباط الأسود، كنت فخوراً بالمناسبة والحدث، إذ كلفني الرفيق (عبد الرزّاق الصافي) وقتها في تصميم بطاقة الدعوة، التي كانت تمثل ذلك المخلوق العراقي العجيب الذي نصفه الأسفل حيوان ونصفه الأعلى إنسان، رافعاً فانوس المعرفة في أفق الناس، وكذلك بوستر المناسبة ، فكان (فهد) ورايته الحمراء في يمينه . وقد تسبب مجيء الرفيق عبد الرزاق الى المشتمل الذي كنت أسكنه، لأخذ بطاقة الدعوة، في نصب خيمة لرجال الأمن في الساحة التي تقابل المشتمل، استمرت لأكثر من شهرين، بعد مجيء (أبو مخلص) ظناً منهم أن مسكني هو بيت حزبي غير مكتشف بالنسبة لهم ، وهو لم يكن كذلك.كان التخطيط الذي رسمه فناننا الخالد (جواد سليم) للجواهري، في إحدى أمسيات اللقاءات التي كان السياسي والقائد الديمقراطي العراقي (كامل الجادرجي) يعقدها، إذ كانت علاقة جواد بآل الجادرجي متينة من خلال صديقه المبدع والمعماري الكبير (رفعة الجادرجي)، هو التصور الأولي للجواهري بالنسبة لي، كنت وقتها أتمنى لو ان فنانينا قد رسموا شعراءنا وموسيقيينا والمسرحيين الكبار ومطربينا البارزين، وسائر رجال العلم والمعرفة، مثل (طه باقر ومصطفى جواد) وغيرهما، فهل ستتصورون حجم الثروة الفنية، التي سنحصل عليها الآن لو تم ذلك ؟لماذا لم يحاول جواد رسم السيّاب مثلاً او(فائق حسن) في رسم الجواهري أو (محمد القبانجي، عفيفة إسكندر، حسين مردان، غائب طعمة فرمان، جميل بشير، جميل سليم) وعشرات من أمثالهم؟كان هذا نوعاً من الحسرة ينازعني وقتها.في عام 1968،قررت أن أتجرأ وأطلب من أبي عمر الفنان الرائد (عزيز علي)، في رسم صورته الشخصية. ذهبت الى وزارة الإعلام وكان يشغل وظيفة مدير عام فيها، طرقت الباب ودخلت، وبدون مقدمات، طرحت عليه الفكرة، فابتسم وأجلسني على الكرسي الذي يقابل مكتبه، وطلب لي الشاي، فتبادلنا الأحاديث وبعض الطرائف وحدد لي موعداً في بيته . أتممت صورته بعد جلستين ، مصحوبةً بأكلات عراقية من يد (أم عمر)، ولا يزال طعم (كباب العروق) باقياً في جوف فمي، تبادلنا خلال تلك الجلستين الكثير من المسائل، وأنا المبهور بهذا العملاق وهو يحدثني عن مواقف
صـورة الـمبـدع
نشر في: 22 مايو, 2011: 05:43 م