TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > طوع اليد وملك اليمين كحريم السلطان

طوع اليد وملك اليمين كحريم السلطان

نشر في: 19 ديسمبر, 2012: 08:00 م

ما يحد ث في بغداد يحتاج إلى إصدار جديد للأرقام القياسية أضخم من موسوعة (غينيس)، لأنه قد تجاوز الحد وفاق التصور، ولم ُيبق لنا شيئا نباهي به الصومال أو موريتانيا أو جيبوتي حتى ولو بحمرة الوجه خجلا.
الضيوف الثقلاء عشاق الروك (الأمريكان)، كعادتهم آثروا أن يشتغلوا على عقولنا قبل مدننا وثرواتنا لأنها طوع اليد وملك اليمين (كحريم السلطان)، فشاءوا  كما شاء الهوى، تدجيننا كقطيع بالتطرف والتشرذم وغلظة القلب والكيد على كل شيء ولأي شيء، واتخذوا مقعدا وثيرا دافئا على مدرج الفرجة اللذيذة.
نعم تغير كل شيء، وأصبح آيلا للسقوط.. مدنا ونفوسا، وتحول سادة إلى عبيد، وصار عبيد سادة مصونين لا يفقه الواحد منهم شيئا غير أنه يجتهد كثيرا في أكل الحلاوة بعقول النسوان، وتساوت الروس.. و(الجان راعي عند أهلنا هو صعد، وإحنا نزلنا)، ونزل إلى بغداد من لا يفك الخط لكنه يعرف يتعامل مع الموبايل، ويلفظ كم كلمة انجليزية بلهجة مضطربة خجلة.. وصار بضربة سرقة وسط (مولد وصاحبه غايب) أو تزوير أو مداهنة أو صفقة مشبوهة مع الغزاة الأصدقاء، ومخلصي الشعوب المقهورة، طفا على السطح، وداس بقدميه على كوفيته وعقاله، واستعار بدلة بلون الذهب بقميص مقلم، وربطة عنق حمراء، وحمل الحقيبة الدبلوماسية، وتقنع بنظارة سوداء اشتراها من سوق الخردة بألف دينار، واستبدل الحمار بـ(كيا موتورز) ذات الدفع الرباعي، وصاح (هيله) على الشباب المثقف الواعي الذي درس ما يفوق الثمانية عشر عاما وتقرحت عيونه من حبر الكتابة، وأذاب أصابعه من ضغط القلم، وسحقه غيضا بلقب لا يحتوي منه إلا الفراغ: أنا فلان الفلاني رجل الأعمال، وأظنه لا يعلم شيئا عن هذا اللقب الذي يحتاج إلى كم من المؤهلات، أولها الأتكيت والمعرفة بعلم الاقتصاد واللياقة الأخلاقية والصدق وآخرها أشياء كثيرة، لكنه مؤهل وذكي ومتمرس (بالعيني والأغاتي)، والعزائم الدسمة، وضحاياها الطليان المزكومة بعرق هبهب المسيَح، ليتحول الجمع في آخر الليل إلى قطيع لا يفقه ما يقول غير(عل هودلك عمي وعل هودلك خالي)، وتبدأ الصفقات المطبوخة على أنغام (دشداشة صبغ النيل كوم بطركها) والهز وطقوس رجال الأعمال الجدد أسوة بالسياسيين الجدد، والأحزاب الجديدة، والمؤرخين الجدد، والقائمة تطول و(جيب ليل وأخذ عتابه)، طقوس غرائبية فيها استئساد الكروش وعمي العيون، والتلذذ بأكل السحت الحرام، والضحك على الذقون.
حكمة الله في العراق والعراقيين التي حيّرت حتى الحيرة واستحالت الحيرة إلى مطر من علامات الاستفهام والتعجب والتكرار لمفردة ليش و(المامش بمامش.. تعب قلبي)!!  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. د.احمد محمد

    حقيقة مؤلمة سيدتي .. والحيرة اكبر من فحواها ومعناها المفاهيمي .. بلد الغرائب والعجائب .. بلد كهرمانة التي لازالت تصب الزيت على اللصوص حتى الان ... بوركتي سيدتي

  2. د. صادق الدوري

    نعم .. لقد تغير كل شيء في بغداد ياست نادية ، لقد اصبت كبد الحقيقة في وصفك المؤلم اياها ، فلم تعد بغداد تلك التي نعرفها ، اذ اصبحت لغير البغداديين يسرحون ويمرحون ويعبثون بها بلا رحمة او واعز من ضمير ، كان الله بعونك يابغداد ، يامدينة الشعراء ، والف ليلة و

يحدث الآن

القصة الكاملة لـ"العفو العام" من تعريف الإرهابي إلى "تبييض السجون"

الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية والفنية

شركات نفط تباشر بالمرحلة الثانية من مشروع تطوير حقل غرب القرنة

سيرك جواد الأسدي تطرح قضايا ساخنة في مسقط

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جنرالات الطائفية

العمود الثامن: لماذا لا نثق بهم؟

الصراع على البحر الأحمر من بوابة اليمن "السعيد" 

العمود الثامن: رئيستهم ورئيسنا !!

كيف يمكنناالاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

 علي حسين أعرف جيداً أن البعض من الأعزاء يجدون في حديثي عمّا يجري في بلدان العالم نوعاً من البطر لا يهم المواطن المشغول باجتماعات الكتل السياسية التي دائما ما تطابنا بـ " رص...
علي حسين

قناطر: الربيع الأمريكي المُذِل

طالب عبد العزيز هل نحن بانتظار ربيع أمريكي قادم؟ على الرغم من كل ما حدث، وقد يحدث في الشرق الأوسط، نعم، وكم هو مؤسف أن تتحرك دفة التغيير بيد القبطان الأمريكي الحقير، وكم قبيح...
طالب عبد العزيز

تضارب المصالح بين إسرائيل وتركيا في سوريا وعواقبه

د. فالح الحمـــراني كما بات معروفاً، أن وزير الدفاع الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو*، خلال لقاء حول موضوع الوجود التركي في سوريا، طرحا مقترحاً لـ"تقسيم سوريا إلى مناطق مقاطعات (الكانتونات)". وذكرت صحيفة إسرائيل هايوم عن خطة...
د. فالح الحمراني

النظام السياسي في العراق بين الخوف من التغيير وسؤال الشرعية

أحمد حسن لفهم حالة القلق التي تخيم على النخبة السياسية في العراق مع كل تغيير داخلي أو إقليمي، لا بد من تحليل عميق يرتكز على أسس واضحة ومنطقية. فالشرعية السياسية، التي تعد الركيزة الأساسية...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram