ما يحد ث في بغداد يحتاج إلى إصدار جديد للأرقام القياسية أضخم من موسوعة (غينيس)، لأنه قد تجاوز الحد وفاق التصور، ولم ُيبق لنا شيئا نباهي به الصومال أو موريتانيا أو جيبوتي حتى ولو بحمرة الوجه خجلا.
الضيوف الثقلاء عشاق الروك (الأمريكان)، كعادتهم آثروا أن يشتغلوا على عقولنا قبل مدننا وثرواتنا لأنها طوع اليد وملك اليمين (كحريم السلطان)، فشاءوا كما شاء الهوى، تدجيننا كقطيع بالتطرف والتشرذم وغلظة القلب والكيد على كل شيء ولأي شيء، واتخذوا مقعدا وثيرا دافئا على مدرج الفرجة اللذيذة.
نعم تغير كل شيء، وأصبح آيلا للسقوط.. مدنا ونفوسا، وتحول سادة إلى عبيد، وصار عبيد سادة مصونين لا يفقه الواحد منهم شيئا غير أنه يجتهد كثيرا في أكل الحلاوة بعقول النسوان، وتساوت الروس.. و(الجان راعي عند أهلنا هو صعد، وإحنا نزلنا)، ونزل إلى بغداد من لا يفك الخط لكنه يعرف يتعامل مع الموبايل، ويلفظ كم كلمة انجليزية بلهجة مضطربة خجلة.. وصار بضربة سرقة وسط (مولد وصاحبه غايب) أو تزوير أو مداهنة أو صفقة مشبوهة مع الغزاة الأصدقاء، ومخلصي الشعوب المقهورة، طفا على السطح، وداس بقدميه على كوفيته وعقاله، واستعار بدلة بلون الذهب بقميص مقلم، وربطة عنق حمراء، وحمل الحقيبة الدبلوماسية، وتقنع بنظارة سوداء اشتراها من سوق الخردة بألف دينار، واستبدل الحمار بـ(كيا موتورز) ذات الدفع الرباعي، وصاح (هيله) على الشباب المثقف الواعي الذي درس ما يفوق الثمانية عشر عاما وتقرحت عيونه من حبر الكتابة، وأذاب أصابعه من ضغط القلم، وسحقه غيضا بلقب لا يحتوي منه إلا الفراغ: أنا فلان الفلاني رجل الأعمال، وأظنه لا يعلم شيئا عن هذا اللقب الذي يحتاج إلى كم من المؤهلات، أولها الأتكيت والمعرفة بعلم الاقتصاد واللياقة الأخلاقية والصدق وآخرها أشياء كثيرة، لكنه مؤهل وذكي ومتمرس (بالعيني والأغاتي)، والعزائم الدسمة، وضحاياها الطليان المزكومة بعرق هبهب المسيَح، ليتحول الجمع في آخر الليل إلى قطيع لا يفقه ما يقول غير(عل هودلك عمي وعل هودلك خالي)، وتبدأ الصفقات المطبوخة على أنغام (دشداشة صبغ النيل كوم بطركها) والهز وطقوس رجال الأعمال الجدد أسوة بالسياسيين الجدد، والأحزاب الجديدة، والمؤرخين الجدد، والقائمة تطول و(جيب ليل وأخذ عتابه)، طقوس غرائبية فيها استئساد الكروش وعمي العيون، والتلذذ بأكل السحت الحرام، والضحك على الذقون.
حكمة الله في العراق والعراقيين التي حيّرت حتى الحيرة واستحالت الحيرة إلى مطر من علامات الاستفهام والتعجب والتكرار لمفردة ليش و(المامش بمامش.. تعب قلبي)!!
طوع اليد وملك اليمين كحريم السلطان
[post-views]
نشر في: 19 ديسمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 2
د.احمد محمد
حقيقة مؤلمة سيدتي .. والحيرة اكبر من فحواها ومعناها المفاهيمي .. بلد الغرائب والعجائب .. بلد كهرمانة التي لازالت تصب الزيت على اللصوص حتى الان ... بوركتي سيدتي
د. صادق الدوري
نعم .. لقد تغير كل شيء في بغداد ياست نادية ، لقد اصبت كبد الحقيقة في وصفك المؤلم اياها ، فلم تعد بغداد تلك التي نعرفها ، اذ اصبحت لغير البغداديين يسرحون ويمرحون ويعبثون بها بلا رحمة او واعز من ضمير ، كان الله بعونك يابغداد ، يامدينة الشعراء ، والف ليلة و