طارق الجبوري ما الذي تحقق فعلياً منذ ان بدأت الغالبية احتجاجاتها على تعمد البعض الاساءة الى العملية السياسية وتشويهها ؟ هذا السؤال كان محور موضوع سابق نشرته المدى في (آراء وأفكار)،سنحاول استكمال ملامح إجابته بشيء من عدم الإطالة وتجنب التكرار الممل ، فنبدأ بموقف الحكومة ومجلس النواب من نداءات المتظاهرين المطالبة بتصحيح العملية السياسية ،
رغم محاولة البعض اختزالها بالحاجات الخدمية ومعالجة البطالة مع علمه استحالة تحقيق ذلك في ظل ما يجري من تشوهات . ولابد ونحن نتلمس طبيعة ردود الفعل الحكومية والبرلمانية من أن نعود بالذاكرة الى موقف الشخصيات السياسية من هذه التظاهرات التي تراوحت بين التأييد الشكلي الذي لايرقى الى مستوى المطالب الجماهيرية ، وآخر على النقيض منه تمثل اولاً بإطلاق الاتهامات على المتظاهرين التي سرعان ما تم التراجع عنها على استحياء لضعف حجتها . و كلا الموقفين يصبان باتجاه واحد مفاده: عدم وجود رغبة لأي طرف بمراجعة صحيحة لمواقفه في مجمل السياسات بما ينسجم وحاجة الجماهير . ونتمنى ان نكون مخطئين في تقديراتنا اذا قلنا ان هذه الكتل تمعن يومياً باستغلال تمسك الشعب بالعملية السياسية وما تحقق خلالها من فسحة حرية محسوبة وإجراءات ديمقراطية أرادها البعض ألاّ تتقاطع مع مصالحها وأهوائها، فأخذ يتعسف بمواقف وصلت حد التقاطع مع الدستور .ولا نظن اننا نجانب الحقيقة في شيء عندما تصل قناعاتنا الى ان الكتل والاحزاب بمختلف تنوعاتها وجراء تصرفاتها المتناقضة مع قيم العمل الديمقراطي والايمان بحقوق الانسان ، هي التي اوصلت الغالبية المسحوقة الى قناعة بضرورة الاسراع باتخاذ موقف قوي وحاسم ازاء الكتل المهيمنة على صورة المشهد السياسي .. موقف ينقذ العملية السياسية مما هي فيه ، بعد سنوات ثمان من الصبر متحملة نيران اخطاء سياسيين لاذنب لهم كمواطنين فيها ، فكانت التظاهرات التعبير الانسب لصورة الغضب الشعبي. واذا كان البعض يريد تحميل الشعب ذنب اختياره هؤلاء السياسيين عندما سنحت الفرصة له بتغييرهم في الانتخابات ، فانه يقع في وهم كبير مبعثه القفز على حقيقة معروفة هي ان قانون الانتخابات بصورته الحالية لم يترك مجالاً كبيراً للشعب للفرز ، فهذا القانون فصل على اساس الامر الواقع الذي يتيح لصاحب الاصوات الاكبر منح جزء منها لغيره ، وهو القانون الذي سعت قوى وشخصيات لتعديله دون جدوى . من هنا شاركت الجماهير بفاعلية بالانتخابات ، وهي تسعى لتقليل حجم الخسائر التي قد تلحق بالعراق وعمليته السياسية اذا ما تخلت عن أبرز ما كسبته وهو صندوق الاقتراع .. فتحملت وهي ترى فداحة المخاطر وتبعد عن نفسها قدر المستطاع ، شبح الوصول الى حافة اليأس في استحالة إمكانية الإصلاح والتغيير من داخل العملية السياسية وفي اطارها وضمن اهم مرتكزاتها النهج الديمقراطي مهما حصل فيه من انحراف ، فاختارت التظاهرات طريقاً للتقويم وليس غير ه ، متحسبة محاولة البعض استغلال التظاهرات للقفز على العملية السياسية ، وفتح مسالك لاضعافها وربما الانقضاض عليها . إزاء هذا الوضع كان على الاحزاب والحركات السياسية ،وخاصة العلمانية منها على وجه الخصوص لاسباب لامجال لتناولها الآن، أن تمسك زمام المبادرة وتحافظ على ما تبقى من رصيد شعبي لها ، وتبتعد عن الاتكاء على خطاب المظلومية عند البعض او فتات امجاد ماض يحتاج الى تواصل مع الحاضر ومتغيراته عند البعض الآخر.. كان عليها ان تبادر وتباشر وضع خطط جادة للاصلاح السياسي الذي بانت علله واسبابه والتي لاتخرج عن انانية بعض الكتل الرئيسة وبالاخص قادتها وشخصيات متنفذة فيها ، مسخت الديمقراطية وجردتها من معانيها حتى في تعاملها مع بقية المنضوين تحت جناحها.. و في ظل هكذا اوضاع مريضة أصلاً، اكتفت الاطراف السياسية المشاركة بالعملية السياسية ، بالتركيز على برامج الخدمات وتحسينها، وكان إعلان رئيس الوزراء نوري المالكي مهلة المئة يوم أبرزها ، فيما تصاعدت أعمال اللجان البرلمانية وخاصة النزاهة في الكشف عن ملفات فساد عديدة ما زال الشارع ينتظر محاسبة جدية للمسؤولين عنها .. ومع ان زخم وقوة التظاهرات قد انخفض عما كان عليه في بداية انطلاقتها لاسباب عديدة ليس من بينها انتظار مهلة المئة يوم او منح وقت للكتل لترتيب اوضاعها ، بل تتعلق في جوانب غير قليلة منها بالتخوف من سعي جهات لاتؤمن بالعملية السياسية او جدواها من استغلالها وركوب موجتها وعدم قدرة منظميها الناشطين من الشباب على وضع برامج واهداف واضحة او التنسيق بالشكل الذي يديم زخم الفعاليات الشعبية ويطورها اضافة الى ما قامت به بعض الاطراف من وسائل لإفشال هذا التوجه الشعبي ، نقول رغم كل ذلك ، فان حدة الاحتجاجات الشعبية ما زالت موجودة في النفوس ، لتعبر مرة اخرى ، ربما بشكل اكثر حدة ،عن رغبتها بالتغيير الجذري والفعال باتجاه إصلاح العملية السياسية وليس الانقلاب عليها ، خاصة وان كل المؤشرات وبحسب تصريحات شخصيات برلمانية وحكومية ، تؤكد انه ومع اقتراب انتهاء الفترة التي حددها المالكي لتقييم وزراء الحكومة لم يكن يعبر عن رؤية صحيحة للمشاكل التي يعانيها العراق
بعـد أن قـاربـت المئة يوم على الانتهـاء.. مرة أخرى ماذا بعد التظاهرات؟
نشر في: 23 مايو, 2011: 06:15 م