بعد صمت مديد، نطق نائب الرئيس السوري بكلام مختلف عن ما اعتاد النظام قوله عن الأزمة السورية أسباباً وحلولاً، وفي حديثه النادر لصحيفة الأخبار اللبنانية، التابعة لحزب الله، لم يترك قراراً واحداً من قرارات رئيسه، إلا وجه إليه نقداً مريراً، بما في ذلك الحل الأمني للأزمة المستمرة منذ ما يقارب العامين، وهو الحل الذي بات أيقونة النظام ورئيسه الذي وصفه الشرع، بأنه يملك في يديه كل مقاليد الأمور في البلد، وهو تجاوز إلى ضرورة التمهيد لمرحلة انتقالية، تكون فيها لحكومة الوحدة الوطنية التي يتم تشكيلها صلاحيات واسعة، وأكثر من ذلك حين صرح بأن على الجميع أن يكونوا في موقع الدفاع عن وجود سوريا، وليس في معركة وجود فرد أو نظام.
الشرع يحمل الرئيس المسؤولية كاملة، حين يؤكد من موقع العالم بخفايا الأمور، أن مؤسسات الدولة، منذ تولى بشار السلطة، أصيبت بالترهل، وأصبحت تعمل بقوة العطالة المكتسبة، وهو هنا يسعى لتبرئة نفسه، رغم معرفة الجميع بأن أبهة تسمية موقعه، لم تدخله الدائرة الضيقة لصنع القرار ، وهو مهتم اليوم بوجود الدولة السورية ووحدتها، وتماسك نسيجها الوطني، أكثر من اهتمامه بالحفاظ على شخص رئيسها في الحكم، ولا حتى على نظامها البعثي الذي خدمه لعدة عقود، ويلفت النظر أن الدبلوماسي العتيق، لم يدن أبداً معارضي الأسد، الذين دأب النظام على وصمهم بالخيانة والعمالة والإرهاب.
بدبلوماسية مكتسبة من خبرة أربعين عاماً، لخص الشرع المنشق دون أن يعلن انشقاقه، أو يغادر دمشق، الأزمة الطاحنة، واقترح حلولاً كانت طرحت منذ البداية، لكن أحداً لم يأخذ بها أو يعطيها وزناً، وهو إذ يرسم خارطة طريق للخروج منها، فإن الغموض يحيط بهكذا طرح مولد للعديد من الاسئلة، حول إن كان ذلك يعبر عن وجهة نظر تيار داخل النظام، بات على قناعة بسقوط الخيار الأمني أو العسكري، فلا النظام قادر على استئصال المعارضة، ولا المعارضة قادرة على إسقاطه، والنتيجة الحتمية للعناد عند كلا الطرفين، هي خراب شامل لسوريا الوطن والمجتمع والدولة.
سوريا في عهد الأسد الابن، كما يراها الشرع، حزب متكلس، وجيش عقائدي، وأجهزة مترهلة، وفساد متفشٍ، وقبضة أمنية، وهي في وضعها هذا بعيدة عن الحل السياسي، فالنظام مصر على أن الحل السياسي يأتي في مرحلة ما بعد استئصال الجماعات المسلحة، وهو أمر مستحيل، والمعارضة كما يراها الشرع، غير قادرة على إطاحة النظام، وفي حال استمر الوضع هكذا، فلن يكون مستقبل البلاد غير الفوضى والخراب والحرب الأهلية، وهو لذلك يرسم ملامح أولية لخارطة طريق قد تكون آخر ما يمكن سماعه من صوت العقل، الذي يطفو على السطح قبل أن تقع الفأس في الرأس إن لم تكن وقعت.
لعل أبرز ما في تصريحات الشرع الطارئة، هو دعوته لتدويل الأزمة السورية، معترفاً بعجز النظام عن حسمها، وليس واضحاً إن كانت دعوته تلك تحظى برضا الرئيس والأجهزة الأمنية، أم أنها تصدر عن فهمه وتقديره الشخصي للأمور، وفي هذه الحالة يبرز السؤال حول كيفية تعامل النظام مع نائب الرئيس المغرد خارج السرب، لكن المهم أنها صدرت من دمشق، وليس من خارجها، وأنها تبين بوضوح أنه حتى القادة التاريخيون للبعث والنظام السوري، لا يتفقون مع توجهات رئيسهم لحسم الأزمة عسكرياً، لإدراكهم النتائج السلبية التي ستضرب المجتمع السوري، في حال نجح في ذلك، وهو لن ينجح بالتأكيد.
في ما قاله الشرع
[post-views]
نشر في: 19 ديسمبر, 2012: 08:00 م