حسين عبد الرازق لم يكن افتتاح «المركز العام» الجديد لجماعة الإخوان المسلمين - الذي حالت ارتباطات سابقة بيني وبين تلبية دعوتهم لي لحضور حفل الافتتاح - مجرد انتقال من مبنى إلى مبنى آخر أكبر وأوسع، بل كان لهذا الافتتاح دلالة رمزية واضحة لانتقال الجماعة من حالة الحصار والتضييق والملاحقة الأمنية والمحاكمات العسكرية خلال العقود الماضية إلى حالة جديدة تماما تكتسب فيها الجماعة الاعتراف الرسمي بعد أن كانت «جماعة محظورة» رسميا رغم وجودها وانتشارها على أرض الواقع.
والوجود الرسمي والعلني لجماعة الإخوان المسلمين وانتهاء الحصار والقمع الذي تعرضت له وأكسبها تعاطفا عاما حتى من بعض خصومها السياسيين، يمثل تحديا وامتحانا صعبا لها، فالعمل العلني وحرية الحركة يختلف عن العمل شبه «السري» والمحاصر.وخلال الأيام الماضية وقعت جماعة الإخوان - بعض قادتها على الأصح - في ممارسات أثارت مخاوف وقلق أحزاب وقوى سياسية وكتاب وساسة، وأعادت إلى الأذهان شكوكا قديمة كانت الجماعة قد نجحت في التخفيف منها وإزالتها لدى كثيرين.لقد اختارت جماعة الإخوان المسلمين في أكثر من مناسبة مخالفة مواقف الأحزاب والقوى السياسية الديمقراطية، وتصرفت ليست كقوة سياسية ديمقراطية ولكن كجزء من السلطة الحاكمة، بداية من قبول المشاركة في اللجنة التي شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدخال تعديلات على دستور 1971 الذي سقط بقيام ثورة 25 يناير وتولي المجلس العسكري للسلطة والمساهمة في تصوير الاستفتاء على هذه التعديلات علي أنه استفتاء على الإيمان والكفر!، واستراح بعض قادتها لما تردد عن علاقة خاصة تربط الجماعة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة أو بعض أعضائه، بل عملوا على تأكيدها والترويج لها، وقاطعوا مؤتمر الوفاق القومي دون سبب منطقي.وأكدت الجماعة إصرارها على إدخال الدين في السياسة والخلط بين ما هو مقدس وما هو دنيوي يقبل الاختلاف والصراع، فالحزب الجديد الذي أعلنت الجماعة عن تأسيسه «حزب الحرية والعدالة» وقالت إنه حزب مدني، يقوم على «مرجعية إسلامية» أي على أسس دينية، مما يحوله في النهاية إلى حزب ديني، ويعيد للأذهان ما ورد في مشروع برنامج الحزب الذي أعلنته الجماعة عام 2007 من ضرورة عرض مشروعات القوانين قبل إصدارها على لجنة من كبار العلماء لتقرر مدى اتفاقها مع مبادئ الشريعة الإسلامية، رغم أن بعض قادة الجماعة كان قد أعلن بعد ذلك أن هذه فكرة تم العدول عنها.وفي المؤتمر الجماهيري الذي نظمته الجماعة مساء الجمعة الماضي قال صبحي صالح العضو القيادي للجماعة «نحن كجماعة لا نعترف بمفاهيم مسلم ليبرالي ومسلم علماني ومسلم يساري، نحن لا نعرف إلا مسلم يكفيه دينه عمن سواه من المناهج».. متراجعين عما ورد في مبادرة المرشد العام (مارس 2004) من التمسك بنظام جمهوري برلماني دستوري ديمقراطي، بل بشرنا بالعودة إلى ما كان سائدا في مصر في ظل «الدولة العثمانية»!الغريب أن الجماعة تدعو في نفس الوقت على لسان د. أحمد أبو بركة عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين في برلمان 2005 «كل القوى السياسية في المجتمع المصري الإسلامية منها والليبرالية إلى التوافق على مشروع وطني وقائمة وطنية واحدة» كما قال في الندوة التي نظمها «مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية في مطلع هذا الأسبوع».ويبدو أن إحساس جماعة «الإخوان المسلمين» بالقوة والسلطة أفقدها توازنها وأنساها أن الرهان على السلطة - أي سلطة - رهان قصير الأجل، وأن الغرور والتعالي يؤدي بأصحابه إلى التهلكة.
الإخوان.. والقوى الأخرى
نشر في: 25 مايو, 2011: 05:41 م