TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > طيف صديق وقصة

طيف صديق وقصة

نشر في: 19 ديسمبر, 2012: 08:00 م

أبكر من المعتاد صحوتُ صباح أمس ..  دهمني  طيف صديقي وزميلي الصحفي الشهيد اسماعيل خليل. من المعتاد أن اتذكر اسماعيل  حتى بعد مرور ثلاثين سنة على رحيله التراجيدي، فهو كان عزيزاً عليّ، جمعتني به علاقة زمالة وصداقة متينة، شخصية وعائلية، لنحو ثماني سنوات.

اسماعيل خليل كان غايةً في دماثة الخلق وطيبة القلب وحلاوة المعشر.. كان مسالماً وكتوما ومحباً لعائلته، وبخاصة زوجته هيفاء وابنتيه هند وزينة.

افترقنا، اسماعيل وأنا ، في نيسان 1979، بعد اغلاق صحيفة "طريق الشعب" التي كنا نعمل فيها منذ بدء صدورها العلني في 1973. اختفيت أنا ثم وجدت طريقي الى سوريا فلبنان مُهرّباً في سيارات أو مشياً على القدمين في العام 1980. وبعد سنة أو أكثر جاءنا النبأ الأليم باستشهاده معدوماً في أحد معتقلات النظام البائد.

هو لم يُعدم لأنه كتب مقالاً ضد ذلك النظام ورئيسه، ولم يعدم لأنه زوّر وثائق لصالح شيوعيين لمساعدتهم في الفرار من البلاد في نهاية السبعينات واوائل الثمانينات كما فعل زميلنا وصديقنا الشهيد سامي العتابي مثلاً. واسماعيل لم يُعدم لأن علاقة كانت له مثلاً بشبكة تجسس أو محاولة انقلابية.

لم يكن اسماعيل قيادياً في الحزب الشيوعي، وكل "جريمته"، إذا كان قد أُعدم عن جريمة، انه كان ابن أخت أحد قادة الحزب، هو الشخصية الشيوعية المعروفة الراحل عامر عبدالله الذي استقال من منصبه الوزاري احتجاجاً على اضطهاد حزبه، وهاجر الى المنفى. وقد أعدم اسماعيل نكاية بخاله.

فجر أمس دهمني طيف اسماعيل .. كانت ابتسامته العريضة الجميلة تسبقه .. تساءلت مع نفسي: بماذا أفاد صدام حسين إعدام اسماعيل؟ بماذا أفاد صدام اعدام المئات وربما الالاف من أمثال اسماعيل ؟ .. وفكرت مع نفسي أيضاً: ربما، بل من المؤكد، ان صدام ما كان سينتهي الى ما انتهى اليه من سوء المآل، وما كان العراق سينتهي الى ما انتهى اليه الان من سوء الحال لو لم يعدم اسماعيل وأمثاله ويلاحقهم.

قبل أن أترك فراشي في ذلك الوقت المبكر سحبت مجموعة قصصية بدأت بقراءتها في الايام الأخيرة، هي مجموعة "فقدانات" للكاتبة إرادة الجبوري، وقرأت قصة "مشهد من تلة" التي تحكي عن كائنين بشريين أجتمعا على تلة تشرف على مدينة ومقبرتها. امرأة فقدت طفلها في هجمة صاروخ، وأسير حرب يعود ليجد انه قد "استشهد" ودُفن.

ما أفادت صدام حروبه؟ ما أفادت العراق حروب صدام؟ تساءلت مع نفسي وانا انتهي من القصة واستعيد طيف اسماعيل خليل الذي دهمني منذ ساعة واردد في سري الاسئلة ذاتها، واسئلة جديدة: ما ستفيدنا هذه النزعة الاستبدادية لحكومتنا؟ وما سيفيدنا تجييش الجيوش وقرع طبول الحرب من جديد وتأزيم الوضع السياسي والامني؟.. ماذا غير خراب يفاقم الخراب الراهن؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: عندما يغط البرلمان بالنوم !!

العمود الثامن: أحلام الليبرالي الأخير

قناطر: من سقيفة بني ساعدة الى الساحل السوريّ

العمود الثامن: بين مستشار ومستشار

الطَّائفيَّة.. " لا تَلد الحَيَّة إلا الحَيَّة "

العمود الثامن: بين مستشار ومستشار

 علي حسين كان الرئيس الفرنسي الراحل فرانسو ميتران قد ارتبط بالعديد من الصداقات الأدبية، ومن أبرز أصدقائه غابريل غارسيا ماركيز، ماريو فارغاس يوسا، غراهام غرين، وفي شبابه كان صديقاً لفرانسوا مورياك وألبير كامو...
علي حسين

باليت المدى: المقابل الحقيقي للأمل

 ستار كاووش ماذا يعني أن يكون هناك أسبوعاً للكتاب، وفي بلد مثل هولندا؟ هذا يعني أن تتآلف الناس مع الكلمات وتعيش وسط معانيها، حيث يستعد الكثيرون هذا الأسبوع لرحلتهم الممتعة مع الحكايات التي...
ستار كاووش

قناطر: يومٌ خالص للسعادة

طالب عبد العزيز ينقطع الشتاءُ فجأةً في البصرة، ويحلُّ الربيع، قصيراً عجِلاً جداً، ثم يدهمنا الصيف، فلا يحدوه أملٌ بالمضي والزوال، هو الاطولُ والاقسى، والاصلف والاعتى، لكنَّ الأيام هذه أو ما تبقى من الربيع...
طالب عبد العزيز

هنري كيسنجر و"خادم الشعب"

حسن الجنابي " البهذلة" التي الحقها الرئيس الأمريكي ترامب بضيفه الرئيس الأوكراني في المكتب البيضاوي كانت مستحقة. ليس لأن دونالد ترامب على حق بل لأن زلينسكي افتقد للحنكة والمناورة التي كان يمكنه بها تجاوز...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram