اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الثـورة ودور المثقـف

الثـورة ودور المثقـف

نشر في: 28 مايو, 2011: 06:41 م

سلوى جراحعنوان مباشر وربما مدرسي لكنه في صلب موضوع حديثي.  ماهو بالفعل دور المثقف في ربيع الامة العربية الذي أوشك ان يدخل صيفه؟  فالمثقفون قلما يدلون بدلوهم في خضم الأحداث السياسية، لأن المحللين السياسيين والعسكريين هم الذين يصولون ويجولون في خضم الحروب والثورات لكن الأصوات المثقفة زهت هذه المرة في ربيع الأمة العربية.  كتب العديد منهم وقدموا المشورة والرأي، بل إن بعضهم احتل مراكز قيادية مهمة، كتابا وشعراء وسينمائيين.
وما يحدث حولنا في ربيع هذه الأمة يشدنا رغم أنوفنا إلى شاشات التلفزيون، نتابع ونترقب وأحياناً لا نكاد نصدق أن ما نراه يحدث أمام أعيننا حقيقة واقعة وليس من خيال صناع الخيال.  كأن نسمع ونشاهد على شاشات التلفزيون أنه تمت إحالة مبارك وافراد أسرته إلى النيابة العامة، وأن منهم من وضع في السجن على ذمة التحقيق، ومنهم من دخل غرف الانعاش في المستشفيات.  ثم سمعنا أنه تم الافراج عن سوزان مبارك سيدة مصر الاولى، التي اصبحت مواطنة مصرية تسري عليها القوانين المرعية بعد أن تنازلت عن أملاكها الخاصة التي قدرت بخمسة ملايين دولار وفيلا أو قصر في منطقة مصر الجديدة.  وثارت تساؤلات مهمة، من أين لها أصلاً هذه الملايين؟  وما معنى أن تتنازل عن أملاكها؟  ألم يسقط حقها في كل ما تمتلك بمجرد اتهامها بالتلاعب بالمال العام؟  كنت اظن من متابعتي للحوارات على القنوات المصرية أن المثقفين المصريين مجمعون على ضرورة تخليص مصر من الفساد المالي والسياسي الذي استشرى في عهد مبارك، وكنت سعيدة فخورة بذلك، إلى أن شاهدت مقابلة مع الدكتورة لميس جابر، المتخصصة في مادة التاريخ والتي كتبت مسلسل الملك فاروق، شاهدتها تتحدث بحماس ممزوج بالحنان والأسى عن مبارك وسوزان وعن كل عصره وعن بطلان كل ما يوجه اليه من تهم، فهذه أشياء حدثت في السنوات الأخيرة، أما قبل ذلك فقد كان لا يقرب ما يخل بالقانون.  كانت تتحدث بحماس دافق بل وتذكّر، وهي حاملة شهادة الدكتوراه في التاريخ وتخاطبها المذيعة اللهلوبة بكلمة "يا دوك"، تذكّر بوجوب عدم تكرار ما قيل عن الملك فاروق بعد الثورة المصرية عام اثنين وخمسين، وظل يتردد لسنين، يجب أن لا تتكرر هذه الغلطة بعد رحيل مبارك.  فحسب قولها كل ما قيل عن الملك فاروق، وعن فساده وفساد عصره، غير صحيح بل لقد أثبتت بطلانه في المسلسل الذي أعدته عن حياة الملك فاروق وأخرجه المخرج السوري حاتم علي وقام ببطولته الممثل السوري تيم حسن، وهي الآن تحذر من الوقوع في نفس الفخ في الحديث عن مبارك. وبعد دورة في اليوتيوب اكتشفت أن الدكتورة تكرر كلامها في مناسبات كثيرة، فهي أستاذة تاريخ وتملك كل مفاتيح الحكمة والمعرفة.  لم ينتبها الشك للحظة أن الكثيرين ممن تابعوا المسلسل وجدوا فيه فجوات كبيرة في بناء شخصية الملك فاروق وأن التاريخ مادة قابلة للنقاش خاصة تاريخ  حياة الشخصيات العامة المهمة.  لم يقلقها للحظة أنها تقارن بين ملك تولى الحكم وهو دون الثامنة عشرة وتركه بعد ستة عشر عاماً، أي نصف فترة حكم رئيس جمهورية، المفروض أن لا تزيد فترة حكمه على ثماني سنوات.  الملك فاروق تنازل عن عرش مصر لابنه فؤاد، وحسني مبارك اراد أن يورث الحزب الحاكم وكل مصر المحروسة لابنه جمال.  الملك فاروق ترك مصر ببضعة آلاف من الجنيهات، بل إن ابنته فريال أكدت في لقاء معها إبان عرض المسلسل، أن المملكة العربية السعودية كانت تساعد أسرتها على نفقات العيش، في حين أن رئيس الجمهورية المنتخب يمتلك مليارات.  مليارات لم يعد عددها مهماً على رأي الفرّاش الذي سأل أحد الصحفيين وهو يضع امامه فنجان قهوة الصباح: لا مؤاخذه يا بيه، هو المليون كده يطلع كام؟"  أجابه الصحفي وهو يرشف قهوته :" المليون الف الف."  صمت الرجل وعاد يسأل :"طب والمليار يا بيه يبقى كام؟"  جاءه الجواب:" الف مليون، يعني ألف ألف ألف."  صمت الرجل وضع صينيته الفارغة تحت إبطه وهمس وهو يغادر الغرفة "يبقى مش مهم همه كام مليار."  أريد فقط أن أسأل بكل بساطة: كيف يمكن للانسان المثقف المطلع على تفاصيل الامور أن يأخذ موقفاً متعنتاً من الحقيقة؟  الدكتورة ظهرت في مقابلة على القناة المصرية من عصر مبارك تعيب على الشباب ممن في ميدان التحرير إن بعض اللافتات حملت كلمة ثورة مكتوبة بالصاد، ومع ذلك جلست تمتدح عصر مبارك رغم ما فيه من جهل وانحدار في مستوى التعليم.  سؤالي هذا يقود لسؤال أهم: ما هي وظيفة المثقف أمام المتغيرات السياسية؟  هل أصبحت مجرد الدفاع عما يريد دون أي اعتبار لمستقبل بلده؟  تباكت الدكتورة لميس على أن شهر رمضان المقبل لن يكون فيه مسلسل يومي لزوجها الفنان يحيى الفخراني.  أهذا ما يقلقها في مصر اليوم: كيف تقضي ساعة الإفطار؟ أقول لكم الحق ما يقلقني أن يظهر في يوم ما "مثقف" عراقي أو "مثقفة" عراقية يقرر أي منهما أن يكتب لنا مسلسلاً درامياً عن حياة صدام حسين ينصفه ويقول للشعب العراقي: "كلكم لم تحسنوا فهم هذا الرجل، ظلمتموه، فلا مقابر جماعية، ولا حلبجة، ولا موت، ولا حروب لا مبرر لها،

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram