قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الخميس إنه يعترف بـ "المعاناة" التي تسبب فيها الاستعمار الفرنسي الذي وصفه بـ "الظالم والوحشي" للشعب الجزائري، لكنه أحجم عن تقديم اعتذار للجزائر الدولة الغنية بالنفط والتي تعد شريكا تجاريا أساسيا لبلاده.
وقال هولاند في خطاب امام اعضاء البرلمان الجزائري "على مدى 132 عاما تعرضت الجزائر لنظام وحشي وظالم هو الاستعمار. واعترف هنا بالمعاناة التي تسبب فيها".
وذكر هولاند في اليوم الثاني لزيارته الجزائر بـ "المجازر" التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي خلال حرب تحرير الجزائر التي تواصلت لسبع سنوات وقادت إلى استقلال الجزائر عن فرنسا في عام 1962. مشيرا إلى أن أحداث "سطيف وقالمة وخراطة تبقى راسخة في ذاكرة الجزائريين وضمائرهم" .
وكان الرئيس الفرنسي أشار إلى أن باريس ترغب في أن تتحرك للأمام على قدم المساواة وتعزز التجارة مع هذا البلد الغني بالنفط.
وتركت صدمة حرب الجزائر، التي دارت بين عامي 1954 و 1962 والتي قتل فيها مئات الآلاف قبل انسحاب فرنسا، آثارا عميقة في كلا البلدين ما زالت تعرقل قيام شراكة بينهما.
وترى فرنسا أن هذه الشراكة يمكن أن تساهم في إنعاش منطقة حوض البحر المتوسط.
وكان هولاند قال الأربعاء في أول زيارة دولة يقوم بها منذ انتخابه في مايو/أيار إن البلدين اتفقا على إعلان صداقة واتفاق ستراتيجي لمدة خمس سنوات يشمل العلاقات الاقتصادية والثقافية والزراعية وشؤون الدفاع.
وأضاف في مؤتمر صحفي بعد اجتماعه مع نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة "أود أن أقيم مع الجزائر شراكة ستراتيجية على أسس متساوية.
"لست هنا لإبداء الندم أو الاعتذار..أنا هنا لأبلغ الحقيقة للجزائريين".
وبينما ترغب فرنسا في التئام الجراح التي خلفتها الحرب فانه ليس أمام هولاند، البالغ من العمر 58 عاما، الذي عمل لمدة ثمانية أشهر في سفارة فرنسا بالجزائر في عام 1978 مجال كبير للمناورة.
وقال هولاند، الذي رافقه في زيارة الجزائر مسؤولون كبار من كبريات الشركات الفرنسية، إن شركة رينو لصناعة السيارات اتفقت على بناء مصنع في الجزائر ينتج نحو 75 ألف سيارة سنويا.
وأردف هولاند "يجب ألا يمنعنا الماضي من بناء المستقبل".
زيارة دولة
وكان هولاند وصل في وقت سابق الأربعاء إلى الجزائر في زيارة دولة تستمر 36 ساعة الهدف منها فتح صفحة جديدة في العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.
واستقبل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الفرنسي ورفيقته فاليري تريفيلير على ارض المطار.
وقال الرئيس الفرنسي في مؤتمر صحافي عقده في الجزائر العاصمة إن "هذه الزيارة ضرورية، وهي تفتح أيضا عهدا جديدا أريد أن ابدأه بين فرنسا والجزائر بعد 50 عاما".
ويرافق هولاند وفد هو الأكبر الذي يغادر معه إلى الخارج منذ توليه مهامه في مايو/أيار ويضم حوالي 200 شخص بينهم تسعة وزراء و12 مسؤولا سياسيا وأربعون شخصا من مجتمع الأعمال وكتاب وفنانون وحوالي مئة صحفي.
وقال الناطق باسم قصر الاليزيه رومان نادال تعليقا على هذا الوفد الكبير انه "يدل على الأهمية السياسية والاقتصادية التي يوليها رئيس الجمهورية لهذه الزيارة".
وينظر إلى زيارة هولاند على أنها فرصة لتحسين العلاقات بين البلدين بعد فترة برود خلال رئاسة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
اعتذار
واعتبرت صحيفة "الوطن" الجزائرية الواسعة الانتشار والناطقة بالفرنسية أن "الاعتراف بالماضي الاستعماري وجرائم الاستعمار سيهدىء أخيرا الذكرى التي لا تزال مؤلمة، وسيحقق العدالة للضحايا وسينهي أيضا الحسابات السياسية التي تجري لدى الجانبين".
آمال معلقة على زيارة هولاند للجزائر
وفي الضفة الأخرى من البحر المتوسط يبقى الانقسام سائدا بحيث أن 35 في المئة من الفرنسيين يعتقدون أن هولاند يجب ألا يقدم اعتذارا للجزائر بسبب الاستعمار "في أي حال من الأحوال"، بينما يرى 13 في المئة انه يجب أن يعتذر.
وكان الرئيس السابق جاك شيراك استقبل بحفاوة في الجزائر في 2003 و 2004 لكن في السنة التالية أدى قانون يهدف إلى إدراج "الدور الايجابي" للاستعمار في المناهج المدرسية الفرنسية إلى فتور العلاقات الفرنسية-الجزائرية لفترة طويلة.
وسيحاول هولاند ونظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بالتالي طي صفحة الماضي عبر "إعلان مشترك" بعد التخلي عن مشروع اتفاقية صداقة.
وقال الرئيس الجزائري في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية إن الجزائر تريد "علاقة قوية وحيوية مع فرنسا" فيما ترغب باريس في هذه المناسبة في استئناف "حوار سياسي حول التحديات الدولية الكبرى" بدءا بمالي.
وترغب فرنسا في الحصول على دعم الجزائر لتدخل دولي في شمال مالي الخاضع لسيطرة الإسلاميين.