باسم عبد الحميد حموديمن منا يقبل ان يشبه بطير أو حيوان، يأخذ من شكله ومن صفاته ؟العدد قليل دون شك، فلا احد من الأدباء والشعراء أو الساسة –إن شئتم يقبل أن يشبه بعصفور أو غزال أو أسد او خرتيث أو طائر من وزن نقار الخشب؟ اعتقد –مرة أخرى- انهم سيتضايقون في أفضل الأوصاف و أقربها للحقيقة عدا القلة منهم وهؤلاء اما منهم غير عابئ بالكلام عنه او محب للطير والحيوان ولا يرى بأسا في التشبه به
غلبت على بعض المبدعين صفة حب الذات والشعور بالتفوق على الآخرين وظهرت عند كثير منهم عقدة سوء فهم الاخر لهم ,وظهرت عند الناجح المتفوق منهم – الا من رحم ربي – صفة الاستعلاء والشعور بأن الآخر أقل شأنا منه وأن من الصعب عليه ان يتفاهم معه أو يستوعبه وأن ما يقدمه للناس لا يجد صدى رحبا بسبب سوء الفهم وأحقاد الآخرين.إذا تركنا هذه الصورة التحليلية- التي تستكمل بشعور البعض منهم بالخيبة – وعدنا الى تصفح كتاب قديم صدر في خمسينات القرن الماضي عن دار الهلال بمصر للكاتب طاهر الطناحي بعنوان (حديقة الأدباء) نجد ان الطناحي قد خصص فصولا للحديث عن الأدباء والكتاب امثال عباس محمود العقاد وطه حسين ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس وسائر مبدعي عصره من المبرزين , ووضع لكل واحد صورة طائر أو حيوان وتحدث عن المبدعين من خلال صفاتهم وسلوكهم المتشابه مع الطائر أو الحيوان الذي أختاره له لانه قريب منه ومن سلوكه. وكان ذلك الكتاب مثار إعجاب الجميع دون استنكار أو غلظة رأي وسوء طوية,فقد كتب الطناحي رأيه وتلقاه الجميع بمحبة سواء من شبهه بالاسد أو بالحمامة .بعد كل هذا نقول: أيقبل (فلان الفلاني )أن نطلق عليه صفة السنجاب ونحلل شخصيته الأدبية على أساس ذلك ، أم يقبل غيره أن نشبهه بسلوك طائر أو حيوان آخر ؟ أشك في ذلك . اللهم إلا الصديق محمد خضير الذي يقبل أن أشبهه بالجمل لطول أناته وصبره ويقبل أن أشبهه بالحسّون (بتشديد السين) لرشاقة العبارة وجمالها لديه ،كما توافق الصديقة لطفية الدليمي أن أشبهها بطائر الشقراق الذي يطوف وسط هذه الدنيا وهو يؤدي أغنيته (قصتها هنا أو خوالجها) الأخيرة حالما، ويقبل الصديق حسن احمد لطيف الشهير ب (حسن العاني) أن أشبهه بنقار الخشب لأنه سريع النقر والعمل الدؤوب والنشاط الذي لم يجن منه شيء سوى إعجاب الناس وحبهم وحسبه هذا. لكن : هل يقبل الصديق عبد الرحمن الربيعي أن أشبهه بطائر الكركي وهو يطوف في الدنيا وقد اختزن كل تجربة خاضها ومدها للناس على الورق غير عابئ إلا بما تعنيه تجربته من دلالات؟ أظن أن كل هؤلاء الأحبة يقبلون وغيرهم وأن ود بعضهم أن اختار له طائرا آخر . ومثله الطائر الذي أشبه به الروائية ابتسام عبد الله، فهي تشبه طائر النورس المحلّق عاليا الذي يتميز بالصبر والعمل الدؤوب والرشاقة ،وذلك أمر يختلف عن تشبيه الشاعر (فلان) بالدب لقسوة عبارته وتشظيها وإملاءاتها المحزنة وتشبيه القاص (فلان الفلاني) بالنمر الأرقط لأسباب تتعلق بأدائه الذي يمت الى البلاغات العسكرية الكابوسية أكثر من انتمائه للأدب . أريد أن أصل الى حقيقة أعلنت جزءا منها بداية وهي أن مبدعينا أكثر الناس حساسية من لفظ أو تعريض أو تشبيه ،وإن بعضهم يعتبر أمرا كهذا مثيرا لغضبه إضافة الى اعتبار البعض منهم أن عملا كهذا يعد خارج النص و خارج الأصول في وقت تباهى الأدباء في مناطق أخرى – عدا العراق – باستذكارهم دوما وبطرق متعددة في النقد وفي الصحافة، وكتاب طاهر الطناحي نوع من النقد الودود الملوّن بالحب والإعجاب.
المبدعون والتشبّه
نشر في: 31 مايو, 2011: 05:14 م