إيمان محسن جاسمسيناريوهات عديدة تتداول في البلدان التي طالها التغيير بموجب الثورات التي أطاحت حتى هذه اللحظة بنظام بن علي ومبارك ، وكثيرة هي الأسئلة التي تتبادر لأذهان أبناء تونس ومصر ، وما يهمنا من هذه الأسئلة إنها تشبه إلى حد كبير ما كنا نتداوله في يومياتنا العراقية في مرحلة ما بعد سقوط النظام المباد عام 2003 وما أعقبته من أحداث كبيرة وجسيمة .
تكاد مصر اليوم تشبه ما مررنا به قبل سنوات، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الطائفية والتخندق الفئوي والجهوي، وما حدث في إمبابة ذلك الحي العشوائي الذي يضم أكثر من مليون وربع المليون مصري والذي اندلعت فيه شرارة الطائفية ، يتحول بين لحظة وأخرى إلى ساحة حرب بين السلفيين والأقباط ،والسبب لا أحد يعرف سوى من أراد إشعال هذه الحرب التي يتخوف الكثير من أبناء مصر من تطاير شررها إلى مدن وأحياء أخرى خاصة وإن آخر ما حصل هو قطع رأس تمثال جمال عبد الناصر وما يمكن أن يتركه من تأثيرات على فئة معينة من الشعب المصري .كنت من قبل أتعرض لجملة من الأسئلة عن العراق وهل أنا من الطائفة هذه أو تلك وأسئلة كثيرة جدا لدرجة لم أتخلص منها إلا بعد أحداث الثورة المصرية حيث انشغل الناس بما هو أهم أو أكثر أهمية، ولكن عادت الأسئلة تطرح بين الحين والآخر خاصة بعد أن بدأت بوادر صراع ديني أو اجتماعي إن - صح التعبير- في مصر ما بعد 25 يناير/ كانون الثاني، كان السؤال الأول والبديهي هل حرق كنيسة هي بداية الحرب الأهلية ؟ قلت بالتأكيد لا ، بل يمكننا القول بأن المجتمعات العربية ( ملغومة ) بالطائفية بحكم طبيعة النظام السياسي الذي يتبع عادة زرع مجموعة من حقول الألغام في المجتمع ليسهل عليه السيطرة .والطائفية موجودة في الأنظمة الشمولية لكنها لا تبرز رغم إنها سياق عمل ونهج ثابت لهذه الأنظمة التي ما أن تحكم سيطرتها على مقاليد السلطة بواسطة انقلاب يدبر في ليلة غاب فيها القمر حتى تبدأ مرحلة إعادة بناء الدولة والمجتمع وفق صيغة وثقافة وروزنامة الحزب الحاكم ومن ثم الشخص الحاكم لتتلخص الدولة بعد عقد أو عقدين من الزمن بشخصية واحدة وعائلة واحدة ، ويتم تركيب المجتمع على أنه مجتمع واحد ومتراصّ ومتعاون، مادام ( الحاكم) موجوداً على أن ينهار هذا البناء بانهيار الحاكم وسقوطه وتهاويه،وهذا ما حصل في الكثير من دولنا العربية التي تخلصت من أصنامها لتخوض معركة وجودها وتجاوز تداعيات عقود التسلط وترتيب المجتمع وفق التغييرات التي حصلت ، لأن النظام السياسي العربي دائماً ما يتبنى فلسفة يقود من خلالها المجتمع بطريقة تتلاءم وفكره ونهجه .لهذا لا يمكن للطائفية والاحتراب أن يظهرا بين ليلة وضحاها ما لم تكن هنالك نوازع قديمة وترسبات قديمة وبعض أعواد الكبريت التي تشعل الحرائق ، والخطر يكمن في عود الكبريت هذا ، فمن خلاله تشتعل الحرائق في الكنائس والمساجد والأديرة في آن واحد. وحقيقة الأمر لو نظرنا لمجتمعاتنا العربية بصدق وتأن ودراسة معمقة سنجد بأن الأنظمة الدكتاتورية قد ركبتها بطريقة تتناسب ومصالح هذه الأنظمة ، بل وأحيانا كثيرة تتناغم معها وهذا متأت من إن المجتمعات العربية تسعى للالتفاف حول الرموز كأي مجتمعات شرقية، ومهما كان هذا الرمز صالحا أم طالحا فهي تجد نفسها تنقاد بوعي أو بدونه حوله وتنفذ رغباته وأحيانا كثيرة تضحي في سبيله طواعية أو كرها وخوفا . لهذا عندما تسقط هذه الأنظمة تبدأ مرحلة الانتقام من الشعب بطريقة تجعل البعض يحنون للماضي أو يحاولون إجراء مقارنة بين ما كانوا عليه وما صاروا به، ومن هنا تبدأ محاولة ما يمكن تسميتهم بأزلام النظام المباد بالعزف على أوتار كانت غائبة ومندثرة فيبدأ البحث في الهويات الفرعية ( سنة وشيعة ، عرب وكرد، مسلمين وأقباط ) وغيرها من التسميات التي ربما هنالك أجيال من الشباب لا تعرفها ولم تسمع بها ،والعزف على هذه الأوتار يكون له صدى في أواسط الجهلة وغير المتعلمين أو حتى بعض المتعلمين الذين ربما يجدون أنفسهم ينخرطون في هذا الميدان دون وعي منهم .لهذا فإن أسئلة الشارع المصري وهواجسه تشبه إلى حد كبير أسئلة الشارع العراقي في السنوات الماضية التي عانى فيها الجميع من التخندقات وحتى الأجندات الخارجية منها والداخلية .وأكثر ما يتخوف منه المواطن في أي بلد عربي هي الحرب الأهلية التي تحرق كل ما تجده ، هذه الحرب هي آخر الأسلحة التي تستخدمها النظم الاستبدادية في طريق زوالها وسمعنا ذلك صراحة من الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وكأن الرسالة التي يريد المستبدون إيصالها للشعوب بأنهم إن رحلوا فإن الحرب الأهلية ستبدأ.
العرب وسيناريوهات الحرب الأهلية
نشر في: 31 مايو, 2011: 05:22 م