ماجد شنان
عندما وضعت أولى خطواتي على أراضي جمهورية ألمانيا الاتحادية التي دخلتها في العام 1999 بصورة غير شرعية كلاجئ بعد رحلة دامت أكثر من عام ،دخلت ألمانيا وقد سحرت ودهشت بهذا البلد الذي يمثل قلب أوروبا من حيث الموقع الجغرافي وقيادته ديناميكية التطور في القارة الأوروبية, وعلى الرغم من مشاهدتي لأكثر الدول الأوروبية لكن في الواقع لا يمكن مقارنتها بألمانيا, خصوصا عندما يتعلق الأمر بالأنظمة والقوانين والتطور الاجتماعي .
لا يخفى على أحد أن بعض البلدان تعرف بإنتاجها القومي, صناعيا كان أم زراعيا أم سياحيا أم بثرواتها المعدنية والطبيعية , ولو سألت أي إنسان عن الإنتاج القومي لألمانيا الاتحادية , فأكاد أجزم أن الجميع سيقولون هي السيارات بماركاتها الشهيرة وتقنيتها العالية. لكن الحقيقة إن هذه البلاد تنتج شيئا آخر أذهلني . إنها تنتج العقول المبدعة والخلاقة . لست أقول هذا كوني عشت في هذا البلد الرائع , لكن بحكم تجربتي وعلاقاتي بالاطلاع على الكثير في هذا البلد من مؤسسات علمية وتعليمية وتكنولوجية بالإضافة إلى المنظمات المدنية والثقافية عرفت كما عرف الأميركيون والروس من قبل بسبب الحرب العالمية الثانية كما هو متاح لمن يعيش هناك. إن هذه البلاد لا تضاهيها بقعة أخرى في إنتاج العقول.
وأنا هنا لست بصدد تقديم دعاية مجانية كما قد يعتقد البعض , بقدر ما هي محاولة لفهم تجارب الدول التي مرت بظروف مشابهة لما مر به العراق,كما أنها تجربة إنسانية خلاقة على مستوى التجمعات البشرية والدول الحديثة ربما يتسنى لنا استنساخها أو على الأقل محاولة تقليدها في العراق.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 تسابقت القوتان العظميان آنذاك الاتحاد السوفيتي السابق و الولايات المتحدة الأميركية بالاستحواذ على أهم شيء كانت تمتلكه ألمانيا " مهندسو الصواريخ" بعيدة المدى وخرائط صناعتها , ليظهر بعد فترة قصيرة حمى التنافس للصعود إلى الفضاء والصواريخ العابرة للقارات .
ألمانيا التي خرجت بعد الحرب بخراب ودمار لا مثيل له أوصلها إلى هذا المصير التطرف القومي على يد النازية و الدكتاتورية الهتلرية وهو يكاد يشابه ما حدث في العراق مع اختلاف الأزمنة والأمكنة .
لكن الملاحظ انه بعد انتهاء الحرب إلى عام 1960 وحتى قبل هذا التاريخ أي أقل من خمسة عشر عاما أصبحت ألمانيا من أكثر وأكبر الدول المصنعة والمنتجة للسيارات و المكائن الثقيلة لتحتل المرتبة الأولى متغلبة حتى على الولايات المتحدة, مع إعادة بناء البلاد والبنى التحتية .. وما خدمها هو وجود قوى سياسية عملت على إعادة البناء وهيكلة الدولة وترسيخ مفاهيم الدولة الحديثة .
هذه التجربة تجعلنا نسلط الضوء على بلادنا التي مازالت لا تستطيع حتى أن تعيد تعبيد شارع أو مجسر عندما تسير عليه تجد نفسك تركب الافعوانية أو مانسميها ( عربة الموت) فضلا عن بناء شبكة الكهرباء وزراعة الأراضي الشاسعة أو التزام المؤسسات الحكومية والأمنية وبقية السلطات الأخرى بالقوانين التي لا تطبق إلا على المواطنين الضعاف كما لا يمكنها أن تقوم بأي شي آخر , و مع أننا نستطيع استقدام كبرى الشركات العالمية بما فيها الألمانية لإعادة البناء بسبب ما نمتلكه من ثروات ضخمة جدا . لكن العمل السياسي تحول من بناء دولة ومجتمع إلى تقاسم الغنائم بين الأحزاب السياسية والاستئثار بالسلطة ونهب الثروات ..
للحديث بقيــة ....
انتاج الدولة عقول ابنائها
[post-views]
نشر في: 12 أكتوبر, 2012: 04:58 م