وديع غزوان بغض النظر عن كل القيم الدينية والقوانين الوضعية التي تحرم الكسب المشروع بمختلف أنواعه, فان الصراع الأزلي في العالم ومنذ بدء الخليقة كان بين فئتين الأولى تنشد العدالة والمساواة وهي الغالبية وأخرى مهمتها اقتناص الفرص لجمع المال وبأي طريقة، ولا تتورع عن استخدام أية وسيلة لتحقيق أهدافها المريضة وغير المشروعة.
وفي التاريخ نماذج حية تؤكد طبيعة هذا الصراع بين النموذجين وما جرته الأطماع وشهوات السلطة من مآسٍ على البشرية أجمعها توجت بحربيين عالميتين راح ضحيتها الملايين. وبقدر ما سببت الحروب من مآسٍ وويلات, فإنها في جانب آخر أعطت دروساً عديدة وعظيمة، في مقدمتها أن ليس في الحرب من مكسب وان الانتصار الحقيقي هو بتجنب الاقتتال واللجوء إلى السلام.. هكذا بدأت الشعوب في دول العالم تضغط على أنظمتها لاعتماد وسائل غير استخدام القوة لحل مشاكلها مع الآخرين. غير أننا في المحيط العربي, ولأسباب ليس هنا مجال الدخول في تفاصيلها, بقينا حتى هذه اللحظة نعيش ثقافة السيف, وما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة والبحث عن طريق لدخول المعارك وليس تجنبها, وفي كل هذا كانت الخاسر الأكبر هي الشعوب التي لم تحصد غير مزيد من التخلف والقهر والجوع, بما فيها تلك التي تعيش على أراضٍ تزخر بالثروات الطبيعية نفط أو غيره التي ربما كانت مصيبتها أعظم واكبر. فقد ظلت حصة هذه الشعوب المغلوبة على أمرها محدودة سواء في ثروتها أو حقوقها المستلبة في الحريات بشكل خاص, وكان أبناء الغالبية منهم يبحثون عن فرص للعيش الكريم في الخارج, تاركين الجمل بما حمل. وبعيداً عن محاولة التدخل في شؤون الآخرين نقول ربما يتوهم البعض أن الوضع في دول الخليج أفضل من غيره على أساس ما يتمتعون به من امتيازات مالية وترف عيش, غير أن حقيقة الأوضاع فيها كانت لا تخلو من المحاذير التي تقترب من الخطر. وبعد 2003 وما حدث في العراق تغيرت الكثير من المفاهيم من أبرزها أن ليس هنالك من حاكم مخلد, واستبشر الكثير خيراً, غير أن ما جابه العملية السياسية الجديدة في العراق من تحديات حال دون إنضاجها. وكان التحدي الأكبر هو ما واجهته العملية السياسية من مخاطر من داخلها ومحاولة استغلال بعض أطرافها الرئيسين مواقعهم لتحقيق مغانم محدودة, وتشوهت عملية التغير وانحرف بعض القائمين عليها , عندما تعاملوا مع الوطن كإقطاعيات للكسب غير المشروع, متعمدين عدم الاستماع إلى كثير من الأصوات والدعوات لإصلاح العملية السياسية ومنها صوت الشعب العالي وصرخته المدوية في ساحة التحرير التي بدأت منذ الخامس والعشرين من شباط ولم تتوقف حتى الآن. الآن وقد اجتاحت أعاصير التغيير دولا ما كان يتوقع حدوثها فيها كمصر وليبيا وتونس واليمن, يصر البعض من المسؤولين لدينا على اعتماد أساليب القمع وتكميم الأفواه ومحاولة إجهاض الاحتجاجات الشعبية بمختلف الحجج وهو ما يشكل خرقاً لأبسط قواعد العمل الديمقراطي الذي بفضله تبوأ الكثير مقاعدهم, وهذا مبلغ الخطر الداهم الذي ينبغي الانتباه له وتجاوزه حرصاً على سلامة العملية السياسية وحمايتها, لذا فان دعوة إطلاق سراح الناشطين من منظمات المجتمع المدني تأتي في هذا السياق , فانتبهوا انتبهوا ولا تتمادوا في الخطأ! ولا تحاولوا حرف العملية السياسية عن مسارها الديمقراطي.
كردستانيات : من اجل العملية السياسية
نشر في: 1 يونيو, 2011: 06:20 م