TOP

جريدة المدى > سينما > سعادات المثقف العراقي العجيبة

سعادات المثقف العراقي العجيبة

نشر في: 5 يونيو, 2011: 07:45 م

لطفية الدليمي ويحك، أيها المثقف، كيف لا تكون سعيداً وكيف تجحد كل النعم الكبرى ؟؟ وكيف  لا تسبِّح بحمد الأقدار التي أبقتك حيا لتشهد من يدينك  لأنك  أقمت عقودا في قلب المحرقة  ورأسك مرفوع  وروحك تحلم بعراق  حر وسط حروب الطغيان؟
ويحك،كيف لا تكون أسعد خلق الله ووشاة يترصدون  كلمات منك  و جماعات  التحريم والتجريم  تلاحق ظلك وخطاك  وتستل من حنجرتك كل حبال الصوت وتؤمر بالصمت  وتحدد  لك حجم الصرخة  ومقدار الغضب  ومساحة العويل في ساحات الملاعب وتحظر ساحات الشعب عليك ؟؟   علام تشاغب يا شاعر يا فتى  في ساحات المدن من أجل لقمة خبز او حرية رأي أو أو عمل مفقود؟؟   وكيف  تطلق الصرخة أيها الكهل المحروم  ؟؟وكيف لا تكون سعيدا وأنت  كاتب أو مفكر أو فنان  محمي بدروع واقية من وجع الحرية ومحروس بعشرات الأعين والآذان خوفا عليك من انحراف الفكرة أو جنوح العقل إلى المحاججة  أو اجتراح  السؤال؟ إلا يفترض بك أن تنأى عن كل جدال فلا ترتاب بشيء، وأن تؤمن بحقائق مطلقة محظور إن تقربها جدلا او تحليلا ،وإلا رميت بالارتداد أو اتهمت بما هو أشنع منه.؟؟كيف لا تكون سعيدا أيها المثقف  وأنت تعامل معاملة   شعراء السلاطين  ووعاظ المنابر ؟ ففي  ظن البعض انك  مطلوب  للإدلاء بآراء  إعلامية  تمجد  هذا الطرف أو تهجو الطرف الآخر  فالبعض  لا يميزون بين دور المثقف المبدع و الراصد والناقد لمجريات الأمور وحياة البشر و بين دور رجل الدعاية الذي يمتدح ما أنجزه الحكام  وما ارتفع  على أيديهم  من عجائب  المباني الوهمية  :ناطحات سحاب  وجامعات ومشا ف  ومدارس للأطفال ومسارح ودور سينما وشوارع انيقة تظللها الأشجار اليانعة وتعطرها الأزهار ،ولو امتنعت  عن ذم هذا ومديح ذاك  اعتبرت ناشزا وناكرا لنعمة  السعادة فتُلقى التهم جزافا على تاريخك والحاضر وتظلل غدك بظلم وظلام .. كيف لاتكون سعيدا وشعراء و كتاب و فنانون مغتربون مابين جنيف واوكلاند  ومابين ديترويت وبرلين واوتنبوري واوترخت  يكللون هامتك ومن بقي مرابطا في وطن الضيم – بالتهم الكبرى والصغرى ويصنفونك على انك ادنى شأنا من أن تحظى بمواطنة البلد وخيراته  لانك رابطت ببيتك في وطن القهر جوار الموت، وهم اجدر منك بنيل المجد لأنهم شرفوا بحمل وثائق من بلدان  عظمى  وانت  تراوح بجوازك العراقي المشبوه مابين حدود البلدان ومحطات  النقل ،وهم تركوك تكابد  وجع الاهل واوبئة الاطفال وموت الأنداد وهوان  الجوع وقمع الطاغية ،تعمل وتقاوم موتك ليل  نهار  وأؤلئك - من بطر وقلة عدل - يصدرون  الأحكام المجانية عليك وعلى رفقتك ممن  لبثوا في المحنة  ومازايدوا على أمر او وطن. كيف لا تكون سعيدا وأنت  تذرف الكلمات والأفكار  في العراء ،  و الناشرون يأخذون منك ما ينبغي أن يدفع لك أضعافا  كما يحدث في بلدان الدنيا الحية و يعتاشون  على دمك  وخلاصات الفكر؟ وأنت في عوز أبدي وسط ثراء الجهلاء وترف الأدعياء ؟؟ كيف لا تكون سعيدا  ونزاعات الساسة تهمشك  بزوايا العتمة  ولايرتضونك  في الجمع  إلا   منتظما  في نسق جماعة أو حزب أو طائفة أو فئة ما، فإذا كنت ذا عقل  حر مستقل الفكر بلا تمائم قبلية ولا شارات حزب وشعارات جماعة ، تطرد  من  مأدبة  العرس   ووليمة المأتم  او حفل التوريث ؟طب  نفسا وعش بأمان ، فأنت الأسعد بين مثقفي عالمنا  ، وتقول إنك  إما ممرور القلب  في مهجرك القسري أو محكوم بالصمت المطلق كالصفر المطلق أو مشرد من بيتك  منتظرا معجزة ترد لك المأوى المغصوب ، طب نفسا و لك ان تحيا سعيدا بالرغم من كل هذا ، تنازل عن اسمك أحيانا واستبدل باللغة همهمة ونشيجا وأوصد نافذة العقل وترجل من أحلامك وأنكر كلماتك إنكارا فلا يقام عليك الحدّ  ..والله، بطِرٌ أنت، لماذا لا تكون سعيدا  وأنت على هذا القدر من الأهمية بين الناس؟؟  وهنا من يهتم بأمرك  بعد الموت اكثر مما لوكنت حيا تكتب المرثيات الدامعة ومقالات  التمجيد النقدي ،وتكال لك الألقاب وانك الأوحد بين الأعلام وانت المظلوم  وانت المهدور الحق  ،  فالموت يحيل الموتى ملائكة افذاذا  لاتؤذي أحدا وأنك إذ مت غدوت عزيزا وفريدا في الابداع ولأنهم ضمنوا أنك ما عد

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

السينما كفن كافكاوي

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram