TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > العراقيون يطاردون أحلامهم منذ الولادة من دون تحقيق حلم واحد

العراقيون يطاردون أحلامهم منذ الولادة من دون تحقيق حلم واحد

نشر في: 5 يونيو, 2011: 07:58 م

عوّاد ناصر يمتلئ تاريخ السياسة، العراقية والعربية، بخطاب المعارضة المكتوب على وجهي الورقة، فهو خطاب ثوروي، إصلاحي، تغييري، تعلوه عناوين البطش الآيديولوجي/ الإعلامي بالحكومة القائمة وسياستها القمعية وإدانة جرائمها اللاإنسانية في تغييب حقوق الإنسان وحرمانه من حقه في التعبير عن نفسه وحظر حقوقه في التظاهر وتشكيل الاحزاب والجمعيات المدنية ومصادرة حق الآخر في إصدار الصحف والتضييق على أنفاس الناس ومنع حتى الأمهات من الحزن.
وما أن تحين الفرصة لسقوط الحكومة العدوة (وهي عندنا دولة مستبدة) واستيلاء المعارضة على السلطة فإن هذه المعارضة سرعان ما تقلب ورقة خطابها لتظهر الوجه الثاني الذي لا يختلف عن خطاب الدولة الاستبدادية السابقة، في مرحلة التمارين الابتدائية  التي تسبق اللعبة الدامية: الإجهاز على أي وعد، أو مشروع وعد، وعدت به الدولة/ الحكومة الجديدة لأنها احتلت، فعلاً، قصور وعروش ومؤسسات الدولة/ الحكومة القديمة.المستقبل الزاهرحتى اليوم، لا يبدو أن ثمة دولة جديدة في عالمنا العربي، ففي تونس ما زالت أجهزة ابن علي تثأر من الثوار، وفي القاهرة مازال الحرس القديم يقود الثورة ا لمضادة، وإن كان الادعاء المبكر بقيام (العراق الجديد) والأحلام العجولة التي راودت الكثيرين بعد سقوط نظام صدام حسين، بتحقيق ما دفع ثمنه العراقيون غالياً: الحرية، شكلت خطاباً سياسياً لم يزل مزدهراً ولكن في أوساط متكلمي النخبة الحاكمة وأحزابها المتحكمة، والدوائر الدائرة في مدارها ومحيطها الأخضر... وإذ أتابع، بشكل حثيث، وعلى مدار الساعة، فضائيات بلدي ووسائل إعلامه الأخرى، بقلب واجف وعقل خائف، فالأخبار الواردة لا تحمل شيئاً ذا أهمية من حيث سيرورة وتطور مشروع الدولة المدنية، في خصوص البنيتين الفوقية والتحتية، وأغلب ما يطرحه سوق الإعلام السياسي في بلدنا أخبار ومعلومات لم تزل عند خطوة التسويف ووضع حجر الأساس وتشريع قوانين (سرعان ما تنسى) وعقد اتفاقيات بلا ملامح وسمات واضحة جلها طيّ الغيب وكأن المواطن العادي بلا حاضر (حياة إنسانية يومية) يشي بنقلة ما نحو تغييره، فزمن العراقيين لا يشبه زمن العالم، الذي يتألف من ثلاثة أزمنة، بل زمنان، حسب: الماضي الأسود والمستقبل الغامض، فحكومتنا (التي لم تخط الخطوة الأوضح لتصبح دولة بالمفهوم الحقوقي) مصرة على إحالة كل شيء للمستقبل الزاهر في محاولة للهروب من استحقاقات الحاضر، وهي بهذا لا تختلف عن أي سلطة تقليدية صنعت للناس من الشعارات الكبيرة أكثر بما لا يقاس من صناعة فنجان قهوة يتناوله مواطن في مقهى على الرصيف من أن دون يتلفت خوفاً.ابتلي العراقيون بالدولة الفاشلة منذ تأسيس دولتهم، فبدلاً من تولي تحقيق أحلامهم المستحيلة بدولة رحيمة، يسهمون في بنائها وتطورها، ثمة من ينوب عنهم، دائماً، في بناء هذه الدولة أو... هدمها.. أما عن طريق الأجنبي الطامع: برسي كوكس ومستشارته المس بيل، أو الضابط الانقلابي مثل بكر صدقي وعبدالسلام عارف وأضرابهما. العراقيون يطاردون أحلامهم منذ الولادة من دون تحقيق حلم واحد.. رغم أنهم مجترحو بطولة لكن بطولتهم غالباً ما تؤدي بهم إلى الموت لا إلى الحياة.عصفور وزرزورعندما يقول أحد بابتلاع الحكومة للدولة لا يحتاج إلى براهين مستحيلة، فما معنى السلطات الثلاث المستقلة (قوام أي دولة معاصرة) إذا كانت التشريعية (البرلمان) تتحاصص في الحكومة، والوزراء هم ممثلو الكتل والطوائف المتحاصصة، ونواب الشعب هم ممثلو الطوائف والكتل نفسها خارج البرلمان (في التنفيذية) وما القضائية إلا جهاز خاضع لمراكز القوى وتجاذباتها وسطوة مسلحيها ومن يمتلك النفوذ والمال والسلاح أكثر من غيره في زمان ومكان محددين ومتغيرين، في الوقت نفسه، إلى الحد الذي يجري فيه تهريب معتقلين خطرين من معتقلاتهم؟ ما الفرق بين أن يقود الحاكم الفرد، مثل صدام حسين، السلطات الثلاث مجتمعة، وأن تقودها مجموعة أحزاب أو كتل أو جماعات متحاصصة، متبادلة المصالح، متكافلة وفق بروتوكولات مكتوبة وغير مكتوبة؟.. وعلينا أن لا ننسى ثمة سلطات ومراكز قوى، خفية أو علنية، تمتلك نفوذا خطيراً، في الدولة والمجتمع، حتى من دون أن تكون ممثلة بالحكومة الرسمية، وقد تكون أشد فتكاً منها.نحن بإزاء دولة متواطئة مع نفسها، فالبرلمانيون يتحركون تحت سقف خفيض كي لا "يجرحوا مشاعر" وزراء كتلهم وأحزابهم، والوزراء مطمئنون لذاك السقف لأنه لن يسمح لأشجع البرلمانيين بالطيران أعلى من القبة المقدسة.. وبذا يتكافل العصفور والزرزور حتى وإن كانا بلا أجنحة تذكر. أما وقد ضاق الناس بقبورهم الفردية والجماعية وهم أحياء يرزقون، هذه الأيام، بعد أن كفوا عن الصمت الذي فرض عليهم لعقود مديدة فهاهم يتمرنون في ساحة التحرير وما جاورها ليسلكوا سلوك أناس مدنيين معنيين بخلق البنية التحتية لدولتهم المنتظرة، بينما قلبت السلطة الحاكمة ونخبها المتكافلة ورقة خطابها العتيق، خطاب المناضلين المعارضين، الداعي لحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية الذي لوحت به بوجه صدام حسين و "كشرت" عن الوجه الثاني للورقة، ورقة خطاب الحكومة التي تداهم المتظاهرين وتطارد الشبان (بناة المستقبل!) وتشن غاراتها الأمنية المسلحة على مراكز ومكاتب مؤسسات المجتمع المدني، وتفتش، بالمجهر، عن مندسين من تنظيم القاعدة وسلفيين في صفوف المتظاهرين، وهي حجة مضحكة أطلقها حسني مبارك ومعمر القذاف

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram