عامر القيسي كل الكتل السياسية باركت وامتدحت استقالة السيد عادل عبد المهدي من منصب نائب رئيس الجمهورية، وهو المطلب الذي ركزنا عليه في تقاريرنا ومتابعاتنا اليومية منذ انطلاق إشارات النواب الثلاثة لرئيس الجمهورية، فضلا عن الإشارات الواضحة من المرجعية العليا عن عدم رضاها على تصويت البرلمان على المناصب الثلاثة. وكنّا نتمنى على عبد المهدي رفض المنصب منذ البداية
لأنه شكّل خرقا فاضحا للدستور الذي صوّت عليه الملايين. لقد كانت الاستقالة متوقعة نظرا للمكانة التي يحتلها عبد المهدي في الوسط السياسي فضلا عن أن المنصب لا يزيده وجاهة وموقعا. الكتل السياسية التي باركت الاستقالة وامتدحتها مازالت متشبثة بالنائبين وهما " طارق الهاشمي و خضير الخزاعي " وكان الأجدر بهما، على نطاق الموقف الشخصي، أن يعلنا "براءتهما " من المنصبين، وان الصفقة التوافقية التي أنتجت لنا خرقا فاضحا للدستور لاغية، لان الدستور، هكذا ينبغي أن يكون، فوق الاتفاقات والصفقات ونتائج الاجتماعات المغلقة. كان ينبغي على هذه الكتل أن تفعل ما فعله عبد المهدي استجابة لمطالب الشارع واحتراما للدستور وللتضحيات التي قدمت لأجله. وتتخلص نهائيا من لطخة انتحال الصفة، وهو خرق قانوني يحاسب عليه القانون ويتوجب أن تحاسب الكتلة نفسها التي دعمت الخرقين الدستوري والقانوني.لماذا الاستقالة مباركة وجريئة ودستورية هنا ومرفوضة وانهزامية وغير دستورية هناك ؟هذا سؤال موجه إلى النائبين " الهاشمي والخزاعي " ومن خلفهما حزباهما اللذان تقر أنظمتهما الداخلية ببناء عراق دولة المؤسسات واحترام الدستور.الصمت هنا هو تناقض صارخ بين الشعارات والبرامج المعلنة ومغريات المناصب وامتيازاتها، وهو الصمت الذي يمكن تسميته بامتياز، انه صمت، النفاق السياسي والانتهازية المتجلية في ابرز مظاهرها بتفضيل المنصب على حماية الدستور من الخروقات. وقلنا في مقال سابق إن خرق الدستور من قبل القوى المتصدية للعملية السياسية سيفتح أبوابا واسعة لخروقات من كل الأنواع، والحجة هي، البداية من مجلس النوّاب والكتل السياسية وعندها، كما يقول المصريون " مفيش حد أحسن من حد".عند الأمم المتحضرة تعتبر الاستقالة امتيازا للمسؤول ويقدر موقفه من قبل الجمهور، لأنه عرف قدر نفسه وأفسح المجال أمام الآخرين ليقوموا بما عجز هو عن القيام به أو انه باستقالته أتاح المجال للتحقق في فضائح أو قضايا فساد، وبالتالي فان الاستقالة ثقافة لاحترام الذات والآخرين واحتراما للحقوق الاجتماعية. فلم نسمع مثلا أن مسؤولا أوروبيا هدد بان عدم ترشيحه لمنصب محدد سيدمر البلاد، لأنه سيقع تحت طائلة المسؤولية وبث الخوف والرعب في المجتمع، لكننا سمعنا مثل هذا الكلام من السيد الخزاعي، ولم نسمع أيضا ان مسؤولا تشبث بمركزه رغم الشبهات التي تدور حول دستورية المنصب، فضلا عن تهم انتحال الصفة التي تلاحقه، لكننا لمسنا هذا التشبث بشخص السيد طارق الهاشمي!سلوك النفاق السياسي عادة ما يزرع بذور عدم الثقة أو يعمقها بين الجمهور والمسؤول وبين المسؤولين أنفسهم، وهو سلوك يتناقض بالجملة مع المبادئ المكتوبة والمعلنة للأحزاب والكتل السياسية، كما انه لا يدخل في إطار المناورات السياسية. إن التسمية التوضيحية للنفاق السياسي هي بدون رتوش:الكذب والخداع!
كتابة على الحيطان :كذب وخداع

نشر في: 5 يونيو, 2011: 09:02 م