سلوى جرّاح في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات العراقيين المطالبة بالإفراج عن المعتقلين الأربعة الذين تم اختطافهم من ساحة التحرير في بغداد بعد أن شاركوا في تظاهرة تخاطب ما يدور في خلد العراقيين من احلام بالعدالة والعيش الكريم، أطلت علينا من إحدى القنوات العراقية سيدة متشحة بالسواد تقول بكل ثقة ما معناه إنه لا يجوز للعراقيين أن يتظاهروا،
فالعراق على حد قولها بلد ديمقراطي بل هو فاتحة "ربيع العالم العربي" برمته منذ "تحرره" عام 2003. لم أعرف اسم تلك السيدة لأنه، أي اسمها، لم يظهر على الشاشة، وشاء حظي العاثر ان أشاهد المقابلة معها في دقائقها الأخيرة. لكني أدركت من شكلها ومن حديثها القيّم، أنها عضو في البرلمان العراقي الذي انتخبه العراقيون بعد أن بدأ "ربيعهم"، كما شرحت لنا، ليمثلهم ويكون الناطق باسمهم، والمدافع عن حقوقهم التي حرموا منها لسنين. أقول لكم الحق بقيت أحدق في شاشة التلفزيون غير مصدقة وتداعت في رأسي تساؤلات كثيرة. ماذا تريد هذه الفضائية أن تقول لنا نحن المشاهدين؟ هل تدربنا على أن نوجه اللوم للمتظاهرين الذين يخرجون في شمس بغداد الحارقة ليقولوا كلمتهم رغم أنف "ربيع" العراق الزاهي، لانهم محرومون من كل حقوقهم التي يكفلها لهم البرلمان أم لعلها، أي الفضائية، أكثر ذكاءً مما نظن وتستهدف في واقع الأمر البرلمان العراقي الذي تمتلئ مقاعده بأمثال السيدة ذات اللفائف السود من الرجال والنساء الذين لم يعودوا قادرين على فهم واقع الإنسان العراقي والتفاعل مع مشاكله اليومية ومتاعبه، بسبب ما يعيشونه من رفاهية ودلال يوفرهما لهم البرلمان العراقي بما يدفع لهم من رواتب خيالية ومخصصات، وما خفي كان أعظم؟ الفضائية التي أغفلت وضع اسم السيدة عضو البرلمان على الشاشة، جزء من منظومة الإعلام العراقية، الجديدة الحديثة التي "بزغ فجرها" بعد "السقوط" وازدهر. هي فضائية من المفروض أن تكون قد تطورت في عصر الحرية والديموقراطية. وهي فضائية تستعين بالتكنلوجيا الحديثة، وبكوكبة من الإعلاميين وطبعاً الاعلاميات، لتقديم برامجها المنوعة ونشراتها الإخبارية، التي تعنى بتقديم الحقيقة ونقل الحدث من أرض الحدث، دون أي تلاعب بالحقائق، لذلك فهي تنتسب للعراق شكلاً وموضوعاً. ولكن رغم كل الالوان والموسيقى المميزة للبرامج ونشرات الاخبار وبعض المذيعات الحسان، تظل هناك حقيقة مؤلمة، هي أن الاعلام العراقي وخاصة الإعلام المرئي والمسموع لم يتطور رغم السنين الثمانية التي مرت منذ سقوط النظام السابق في العراق. ففي الماضي كانت خطب السيد الرئيس ومقابلاته وبرقيات التهنئة والتعزية التي كان يبعث بها لرؤساء الدول، تتصدر نشرات الاخبار مهما كانت أهمية الاحداث في العالم. اليوم تغير هذا التقليد وصارت الاولوية لقيادات الاحزاب والتنظيمات السياسية التي تمول الفضائيات العراقية المختلفة، بل صار نقل الخبر مرتبطاً بسياسة الحزب أو التنظيم، ومصالحه السياسية. فالتظاهر مخل بالقانون في العراق الذي يعيد بناء نفسه، لمن يناسبهم ذلك، وهو دليل على فشل العراق الجديد في تحقيق الديمقراطية لمن هم في حيرة من أمرهم، إما لأنهم لم يصلوا للسلطة بعد كما كانوا يتوقعون، أو لأن لهم مصالح لم تلب لحد الآن من السلطة الحالية. البعض في حالة دفاع مستمر عن الحكومة وعن كل إنجازاتها العظيمة، متناسين الماء والكهرباء والجوع والمرض والعوز ووو، وآخرون شحذوا كل أسلحة النقد، والخاسر الحقيقي في معركة الإعلام هذه، هو الشعب العراقي والشباب الذين يتظاهرون في ساحة التحرير، تحت نصب الحرية. وما يزيد المشكلة تعقيداً أن معظم العراقيين لا يتابعون الاخبار إلا من خلال الفضائيات العراقية، ولا يرددون الخبر إلا نقلاً عنها، بل ويشككون فيما تبثه الفضائيات الإخبارية العربية الرئيسية، والسؤال أين هو الإعلام العراقي من مشاكل الناس الحقيقية؟ قبل السقوط كان النظام السابق يمن على العراقيين ضمن ما كان يمنح من "مكرمات"، بعرض نتف مما تنتجه الفضائيات العربية من خلال قناة الشباب. الآن تدفقت الفضائيات إلى العراق مع "تدفق الديمقراطية" وظهرت الفضائيات العراقية، فهذه فضائية الحكومة وتلك فضائية ميالة للحزب الحاكم السابق أو تعرض ما يريده من يدفع ثمن المعروض، وفضائيات دينية متزمتة، شاهدت على أحداها مؤخراً رجل دين يقدم نصيحة للصائم في رمضان في عز حر بغداد: "سافر كل يوم بديرة فلا يحل عليك شرط الصيام وصوم بعدين من يطيب الجو". لا أبالغ فقد رأيت الرجل بأم عيني وسمعته. هل هذا إعلام ما بعد التحرر من نظام دكتاتوري؟ أهذا ما يريده العراقيون من إعلامهم بعد أن ملوا إعلام الفرض والترهيب؟ أين الكفاءات العراقية الشابة؟ أين الذين درسوا الإعلام ومارسه بعضهم في الفضائيات العربية الإخبارية المعروفة وأثار الكثير من الاهتمام. المشكلة الحقيقية أن العراقيين من أصحاب الكفاءات الحقيقية، لا في الإعلام فحسب بل في مختلف مجالات ال
الإعلام العراقي بين التسطيح والموالاة
نشر في: 6 يونيو, 2011: 06:24 م