اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > اقتصاد > دور صندوق النقد الدولي في تعميق أزمة الديون الخارجية للبلدان النامية

دور صندوق النقد الدولي في تعميق أزمة الديون الخارجية للبلدان النامية

نشر في: 21 ديسمبر, 2012: 08:00 م

تفجرت أزمة الديون الخارجية  للبلدان النامية عندما أعلنت المكسيك في صيف عام 1982، عجزها عن الوفاء بديونها البالغة 92 مليار دولار ولحقت بها دول أخرى كالأرجنتين والبرازيل، وطالبت مجموعة من الدول بإعادة جدولة ديونها وتخفيض مديونيتها وإعفائها من الفوائد المترتبة على ديونها.
فقد أدت الأزمة النقدية والمالية التي شهدها العالم الرأسمالي في فترة السبعينيات إلى انخفاض قيمة الدولار الأمريكي وانفلات التضخم وتراجع الطلب على الاستثمار وانخفاض معدلات الربح، لهذا فكرت البلدان الرأسمالية المتقدمة في تشغيل سيولاتها النقدية الضخمة المتراكمة في خزائنها في البلدان النامية لتحقيق الأرباح والفوائد الخيالية التي لا تستطيع تحقيقها في بلدانها. وقد استخدمت صندوق النقد الدولي لتحقيق هذا الغرض.
فالبلدان النامية كانت بحاجة ماسة إلى العملات الأجنبية لمتطلبات عمليات التنمية الاقتصادية، ومعالجة العجز الحاد الذي تعاني منه موازين مدفوعاتها. أما البلدان الرأسمالية الصناعية فأرادت من تقديم القروض إلى البلدان النامية تعويض خسائرها المالية وتحميل أوزار الأزمة التي أصابتها على كاهل البلدان النامية. فبحجة العون والمساعدة  واصلت البلدان الرأسمالية الصناعية سياسة تشجيع البلدان النامية على الاستدانة الخارجية، ولم تعِر أي اهتمام لمعرفة قدرة البلدان المقترضة على الوفاء بديونها كما لم تعر اهتماما  لمشاكل العجوزات التي تواجهها موازين مدفوعاتها في سبيل إغراق البلدان النامية بديون ضخمة وإيقاعها في فخ المديونية الخارجية. وأدت هذه السياسة إلى نمو الديون الخارجية بأرقام فلكية تفوق القدرة الاقتصادية والمالية للبلدان المقترضة.
في عام 1968، كانت ديون البلدان النامية لم تتجاوز أكثر من 50 مليار دولار، وتراكمت بسرعة  فائقة فبلغت في العام 1980 أكثر من 600 مليار دولار، واخذ حجم المديونية بالتصاعد  من 539 مليار دولار إلى أكثر من 2150 مليار دولار بين عام 1990 و1996. (1) وبحلول عام 2010 وصلت الديون الخارجية للعالم الثالث إلى أكثر من 500000 مليار دولار، ومن المؤشرات المباشرة لأزمة المديونية هي خدمة الدين الخارجي التي تلتهم جزءاً كبيراً من الموارد النقدية التي تحققها صادرات البلدان النامية.
فمع التصاعد الحاد في حجم الديون الخارجية تزداد خدمات الدين الخارجي (الأقساط والفوائد) فارتفعت خدمات الدين الخارجي من 22 مليار دولار عام 1974 الى 76,6 مليار دولار عام 1980، والى 536 مليار دولار في عام 1987. (2) وهكذا دخلت البلدان المدينة في الحلقة المفرغة. فعند عجز البلدان المدينة عن الوفاء بالتزاماتها المالية في آجالها المحددة تضطر إلى طلب قروض جديدة وبشروط أكثر صعوبة لسداد الأقساط والفوائد المترتبة على القروض القديمة. وبذلك ظلت تدور في حلقة مفرغة وهي طلب قروض جديدة لسداد أقساط وفوائد القروض القديمة. وبهذه الطريقة انحرفت القروض عن الأهداف المعول عليها بتحقيق التنمية والقضاء على الفقر والبطالة إلى تمويل ذاتها.
فقد دفعت أربع دول من البلدان النامية هي: المكسيك والبرازيل وفنزويلا والأرجنتين، ديونا بلغت 320 مليار دولار، وفوائد مالية بنحو 29 مليار دولار في عام  1988(3)، وبالمقابل فإنها لم تحصل على أكثر من 3 مليار دولار كديون جديدة، بالرغم من الاتفاقيات التي تم التوصل إليها لتنشيط اقتصادها بموجب خطة "بيكر" ومفاوضات نادي باريس وغيره.  فالاتفاقيات لم تؤد إلا لزيادة الفوائد وتراكمها. والحقيقة أن 90% من الديون الحالية ما هي إلا فوائد وأن الديون الحقيقية قد تم دفعها على شكل أقساط وفوائد .
ومن هنا نستنتج إن الاقتصاد الرأسمالي قد حاول أن يحل جانبا من أزمته بتوريط البلدان النامية بديون ضخمة.   
وتشير الإحصائيات إلى أن الديون الخارجية للبلدان النامية آخذة بالنمو من سنة إلى أخرى.. فارتفع إجمالي الدين الخارجي إلى إيرادات الصادرات من 88,4% إلى 176,4% لنفس الفترة. وبالنسبة إلى خدمة الدين إلى إيرادات الصادرات فارتفعت من 13,13% إلى 23,1% للفترة نفسها.
فالأرباح والفوائد المركبة هي الهدف الأساس للإقراض الدولي، وتستغل الجهات الدولية الدائنة القروض من اجل  تنشيط صادراتها من السلع الجاهزة إلى البلدان المقترضة وممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية عليها.
إن الدول الرأسمالية الدائنة تطبق سياسة ما يسمى بـ"مقص الأسعار" في تعاملها التجاري مع دول العالم الثالث. فتقوم بتخفيض أسعار المواد الأولية وغيرها من السلع المصدرة إليها من بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وترفع أسعار السلع الاستهلاكية المصنعة في البلدان الرأسمالية المصدرة إلى أسواق تلك البلدان. أدت هذه السياسة إلى خسارة أسواق العالم الثالث في  الفترة 1983-1987 ما يقرب من 42 مليار دولار. بالإضافة إلى التلاعب بأسعار النفط وتهريب الأموال عن طريق الأرباح الناجمة عن تشغيل الرأسمال الأجنبي، فعلى سبيل المثال حققت الشركات الأمريكية  أرباحا تقدر بأكثر  من 120 مليار دولار في الفترة 1945- 1980 من دول أمريكا اللاتينية،  بينما لم تستثمر تلك  الشركات ربع هذا المبلغ.
ومن جراء ذلك أصبحت هذه البلدان تتميز بانخفاض شديد في مستوى القوى المنتجة وتدني الدخل القومي ومعدلات النمو وما إلى ذلك من تهريب رؤوس الأموال  وانسياب الأرباح إلى الخارج تمتص بدون انقطاع قسماً كبيراً من الدخل والموارد التي يمكن أن تتحول إلى استثمارات تخدم التنمية الاقتصادية. ما جعل هذه البلدان تلجأ إلى الاستدانة الخارجية لتلافي النقص الحاد في مدخراتها الوطنية من العملات الأجنبية.
وللتغطية على النوايا المبيتة والأهداف التي تخطط لها البلدان الاستعمارية خلف صندوق النقد الدولي لإيقاع البلدان النامية في شباك الديون الخارجية، لا بد من طلاء تلك الأهداف الرامية إلى استنزاف موارد العالم الثالث بشعارات المساعدة والمعونة وغير ذلك من الشعارات التي تخفي وراءها خططا ومؤامرات للسيطرة على العالم النامي. فالاتجاهات الرئيسية لإستراتيجية صندوق النقد الدولي، تشدد الخناق على البلدان النامية المدينة بما يخدم مصالح الرأسمال الطفيلي ودفعها نحو المزيد من الاستدانة الخارجية في سبيل تكبيلها بديون باهظة لتكون مدخلا لفرض المزيد من الشروط الجائرة عليها.
إن مبدأ القوة التصويتية التي تحكم قرارات صندوق النقد الدولي يعكس مدى هيمنة الدول الرأسمالية الاحتكارية على صنع القرار في مؤسسة صندوق النقد الدولي، ولهذا فان معظم القروض تذهب إلى الأنظمة القمعية التي يكون فيها للولايات المتحدة الأمريكية نفوذ ومصالح إستراتيجية، وغالبا ما تستخدم هذه القروض في تدعيم الأجهزة القمعية لتلك الأنظمة وتسخيرها من اجل قمع الحركات الوطنية والتقدمية المناهضة للسياسات الاستعمارية ومخططاتها العدوانية.
ويقوم العامل السياسي بدور كبير في منح القروض وتقدير حجمها وتحديد اتجاهاتها، فالمساعدات التي تقدمها البلدان الرأسمالية تصب في مصلحة الأنظمة الموالية لها وللحكومات التي تحرس مصالحه، فبتأثير الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الغربية الحليفة لها، رفض صندوق النقد الدولي في عام 1956 تقديم القروض إلى مصر لتمويل السد العالي، لأن مصر في تلك الفترة انتهجت سياسات وطنية لا ترضي الولايات المتحدة الأمريكية، ما اضطر مصر إلى طلب المساعدة الفنية والتمويل المالي من الاتحاد السوفيتي آنذاك وتأميم قناة السويس.
لقد أرادت البلدان الاحتكارية أن يكون صندوق النقد الدولي أداة بيدها لتنفيذ مشاريعها في الإقراض الخارجي وخلق الفرص الذهبية لاستثماراتها في البلدان النامية، ولهذا تصاغ سياسات صندوق النقد الدولي بالتوافق مع السياسات الرأسمالية للدول الاحتكارية.
وقد أدت عملية تدوير الفوائض المالية التي قامت بها البنوك التجارية في  النصف الأول من السبعينيات بأسعار فائدة مرتفعة إلى تكوين احتياطيات ضخمة من السيولات النقدية الدولية، فقد ارتفع حجم الاستخدامات بسوق الدولار الأوربي من 132 بليون دولار إلى أكثر من 235 بليون دولار خلال الفترة 1973-1980، وبلغت قيمة الذهب 440.3 بليون دولار ومن ثم ارتفع حجم الموارد المستخدمة في سوق الدولار الأوربي إلى 575 بليون دولار. (4)
لقد تعمقت أزمة المديونية الخارجية التي خلقتها الدوائر الرأسمالية وأدواتها، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنوك التجارية الغربية واتخذت أشكالا متعددة وأفرزت أزمات اقتصادية واجتماعية طاحنة تمتلك كل أزمة مقومات استمرارها وتهيئ الظروف الموضوعية لنشوب أزمة أخرى أكثر حدة.  فالقروض الخارجية التي يتحكم في تقديمها صندوق النقد الدولي وبعض الدول الاحتكارية ترتبط بدوافع وأهداف سياسية  وبشروط مذله ومنها:
1 - يشترط في حصول البلد على قرض خارجي تنفيذ سياسات رأسمالية يحدد أطرها صندوق النقد الدولي والهدف من ذلك الحيلولة دون تطبيق نماذج تنموية ذات توجه اشتراكي.
2- ينشط صندوق النقد الدولي في تقديم القروض إلى المشروعات التي تسهل عملية انتقال الموارد المالية من البلدان النامية إلى الدول والمؤسسات المالية الدائنة.
3- لا يفضل صندوق النقد الدولي تقديم القروض لتمويل المشروعات التابعة لمؤسسات القطاع العام.
4- الأفضلية في تقديم القروض الخارجية للبلدان الموالية للدول الرأسمالية وللدول التي تخدم مصالحها وأهدافها.
5- أن الدول الرأسمالية تستخدم القروض الخارجية كأداة للضغط السياسي على البلدان المدينة لابتزازها والتأثير في خياراتها الوطنية ومصادرة قرارها السياسي.
فالدين والمديونية الخارجية يقودان البلد المدين إلى عبودية الدول الدائنة والقروض التي تقدم له ستزيد من استنزاف ثرواته الطبيعية وتعميق تبعيته الاقتصادية والمالية.
ومنذ أوائل الثمانينيات أصبحت أزمة المديونية الخارجية من أكبر المشاكل التي تواجه البلدان النامية، وتفاقمت هذه الأزمة بشكل خطر وأصبحت تهدد البلدان المدينة من الناحية الاقتصادية والسياسية. وتشير المعطيات الى أن الديون الخارجية أصبحت الأداة الأكثر قدرة على استنزاف الموارد المالية للبلدان النامية لمصلحة البنوك والشركات متعددة الجنسية.
ومن إفرازات أزمة الديون الخارجية مشكلة إعادة جدولة المديونية.  فالجدولة لم تؤد إلى تخفيض حدة الأزمة وإنما تزيد حدتها وتعقيداتها وكمثال على ذلك إن الجدولة تضيف أكثر من بليون دولار سنوياً إلى إجمالي الدين الأفريقي نتيجة لرسوم الخدمة وأسعار الفائدة العالية، فارتفاع أسعار الفائدة على الديون المصرفية أخذت تزداد باستمرار.
وحسب البنك الدولي فان البلدان النامية المدينة سددت بين عام 1980 و2001 نحو 4500 مليار دولار، إلا أن  مديونية هذه البلدان تضاعفت أربع مرات. ووفقا لإحصائيات البنك الدولي فإن البلدان النامية تدفع إلى الجهات الدولية الدائنة 700 مليون دولار في اليوم الواحد وهو ما يعادل 500 ألف دولار في الدقيقة الواحدة. وحسب ما أعلنه الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو فان البلدان النامية حتى عام 1980 دفعت 7,5 دولار عن الدولار الواحد وما زالت مطالبة بدفع أربع دولارات عن الدولار الواحد. ولهذا فان البلدان الرأسمالية الدائنة تتعمد في الإبقاء على أزمة الديون الخارجية للبلدان النامية وتعمل على إدامة الأزمة لتحقيق أهدافها. وكل ما قامت به الدول والمنظمات المالية الدولية الدائنة هو تسكين الأزمة وليس حلها. فأزمة الديون الخارجية للبلدان النامية أصبحت أداة  للضغط على البلدان النامية المدينة ومصادرة حقها في اختيار توجهاتها الاقتصادية وتعزيز تبعيتها الاقتصادية والمالية للبلدان الرأسمالية الغربية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. روضة

    ماهو دور النقد الدولي في ادارة ازمة المديونية في دول الشرق الاوسط !؟

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

النفط: العراق ملتزم كلياً باتفاق أوبك الخاص بالتخفيضات الطوعية

مقالات ذات صلة

النفط: العراق ملتزم كلياً باتفاق أوبك الخاص بالتخفيضات الطوعية
اقتصاد

النفط: العراق ملتزم كلياً باتفاق أوبك الخاص بالتخفيضات الطوعية

بغداد/ المدى اعلنت وزارة النفط، اليوم السبت، التزام العراق باتفاق أوبك وبالتخفيضات الطوعية. وذكرت الوزارة في بيان تلقته (المدى)، أنه "إشارة إلى تقديرات المصادر الثانوية حول زيبادة انتاج العراق عن الحصة المقررة في اتفاق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram