TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية: مئة يوم من الإذلال: مزوّرون ولصوصٌ بختم الحكومة..

الافتتاحية: مئة يوم من الإذلال: مزوّرون ولصوصٌ بختم الحكومة..

نشر في: 7 يونيو, 2011: 09:27 م

 فخري كريم
(6)
 انتهت مهلة المئة يوم، موعد جرد الحساب وقيامة الحكومة، والرصيد المعلن حتى الآن يتراوح بين عقد جلسات علنية لمجلس الوزراء وبثها عبر التلفزة المباشرة،

 والنيّة بمحاسبة وزراء ومسؤولين مقصّرين وإجراءات شكلية أخرى، على أن يظل المرتجى قيد التأجيل إلى اجل غير مسمّى.
وليس في نيّة احد تحميل رئيس الوزراء وحده المسؤولية الكاملة عن الإخفاق في إجراء نقلة نوعية في أوضاع البلاد التي تستمر في التراجع والتدهور، مع غياب أي مؤشر يدعو للتفاؤل بشأن استقرارها وتطبيع مساراتها وإعادة التوازن النسبي إلى مرافق الدولة وتسليك خدماتها، بما يستجيب لتطلعات المواطنين الخدمية والمعيشية وينهي قلقهم من غياب الأمن والاستقرار.
إن تحميل المسؤولية 'التعسفية' لرئيس الوزراء شيء، وحدود هذه المسؤولية، شيء آخر بصفته المسؤول التنفيذي الأول في الدولة والمعني بما يصيب مرافق الدولة من إخفاق أو ما يتحقق فيها من انجازات، ومنها دون أدنى شك، قدرته على إدارة هذه المرافق والمسؤولين عنها. وليس من الصواب على مسؤول رفيع المستوى بموقع رئيس وزراء، وبصلاحيات لا تُحِدُّ منها اطرٌ سياسيةٌ أو اتفاقات، أن يعمد إلى تبرير الإخفاق الحكومي في أي مجال وعلى أي مستوى بحجج ضعف أداء وزراء، أو تعمد أطراف مشاركة في الحكومة على إظهارها ورئيسها، بمظهر العاجز وغير الكفوء في القيام بواجباته وأداء مهامه.
بالتأكيد أن من حق رئيس الوزراء أن يمتعض من شركائه في الحكومة وأقرانه في العملية السياسية ولجوئهم إلى المناورة بدل المشاركة في تفكيك الأزمة وتشريح مكامن الخلل التي تسببها وتُفاقِمُها، لكنه معنيٌ هو الآخر بالتوقف عن ترحيل عناصر الأزمة والإخفاقات التي تنجم عنها إلى الآخرين، وتبادل المواقع معهم كلما واجه استحقاق موقعه المسؤول والتدابير المنتظرة منه لتجاوز الاحتقانات الراهنة التي تعصف بالبلاد. إذ ليس من المنطقي أن تتساوى المسؤوليات بين من بأيديهم القرار والقدرة والإمكانيات على الفعل والتنفيذ، ومن يقتصر دورهم على إمكانية التشويش والعرقلة، والسعي لإجهاض محاولات الحد من الأزمة الطاحنة وإيجاد السبل الكفيلة بتجاوزها ووضع البلاد على طريق المعافاة.
لقد منَّ الله على المالكي بالفوز بولاية ثانية في إدارة دولتنا المجهضة، ولو لم تكن ولايته منّةً من الله، لكان عليه أن يجد له اليوم خياراً آخر غير البقاء في موقعه الحالي كرئيس للوزراء، بعد أن فشلت 'حكومته' في الاستجابة لمطالب ملايين المحتجين في أرجاء البلاد، وهي مطالب خدمية تتعلق بأبسط مستلزمات الحياة 'الآدمية' في العصر الراهن، وفي بلد تتجاوز ميزانيته السنوية السبعين مليار دولارٍ، وهي ثروة تعد أكثر بضع مرات من موازنة الأردن وسوريا ودولٍ فقيرة أخرى تعيش على الإعانات والديون المتجدولة، مع أن شعوبها تنعم بالكهرباء وماء الشرب النقي وغيرها من الخدمات الضرورية التي لا تدخل في باب "أسباب الرفاهية".
وليس من المنطق محاكمة الأمور، ونحن في معرض تقييم الأداء الحكومي في دولتنا المقامة على الفساد، بمعايير الدول الديمقراطية التي تزن الأمور بمقاييس "النانو"، وخاصة ما يتعلق منها بالأخطاء والفشل والتعديات على الدستور والفساد والرشوة وغيرها من المظاهر المخلة التي تعتبر في إطار تلك المعايير من الجرائم التي يبادر المسؤول ذاتياً لمحاسبة نفسه، دون انتظار الملاحقة القانونية، وتتفاوت 'المحاسبة الذاتية' تبعاً لمستوى الارتكابات الجرمية ومدى حساسية المسؤول السياسية والأخلاقية، بدءاً من تقديم الاستقالة ارتقاءً إلى العزلة السياسية أو الانتحار.!
إننا ندرك أن مهلة المئة يوم لم تكن إلا بالوناً تخديرياً، كان الغرض من إطلاقه تهدئة الخواطر ريثما يتم التوصل إلى اتفاقات بين المتعاركين على كيفية الخروج من مأزق الحكومة، ويتضح اليوم بعد انتهاء المهلة أن حتى هذا الهدف من توظيفها لم يتحقق أيضاً، فلماذا يستمر اعتماد نهج التسويف والتخدير وتلفيق الحجج والتبريرات لإظهار الوضع كما لو انه حافلٌ بالمنجزات؟، ولماذا اللجوء إلى اعتماد أساليب تخدير وعي الناس والتفكّه عليهم ومحاولة استغفالهم، بتقديم طبقٍ من الخطب والمناقشات والوعود المعسولة في اجتماعات مفتوحة على الهواء مباشرة لتنتهي بتعميق يأس المواطنين من الوضع عموماً وتبديد قناعاتهم بأي إمكانية للفرج والخروج من الأزمة. مع أن الإمكانية الأكثر جدوى في ظرف الاحتجاج على الحكومة والاحتقان المرشح للتحول إلى غضبٍ ونقمةٍ على النظام وآلياته الديمقراطية التي تنشط قوى الثورة المضادة من أجل الاستفادة من مناخاتها السلبية، هي المكاشفة الصريحة والجريئة بواقع الحال بكل تعقيداته والشروع باتخاذ التدابير الملموسة بمعالجتها. وفي مقدمة هذه التدابير وعلى رأسها وضع حدٍ للافتراء على المحتجين وقوى المجتمع المدني وتلفيق التهم ضدهم وإظهارهم ونشطائهم، بمظهر 'المعادين للديمقراطية' وكيل التهم الجزاف لهم كما فعل رئيس الوزراء ومسؤولون تابعون لحكومته أو كتلته البرلمانية أكثر من مرة. كما أن من مصلحة السيد رئيس الوزراء والناطقين باسمه التوقف عن التعامل مع الواقع المحيط بهم بمثل هذه الأساليب التي أن تناولت جهة، فإنما ستوجه سهام الاتهام إلى حكومته والمحيطين به قبل أية جهة أو فرد آخر. فالاتهام بالتزوير، كما وجّه للشبان الأربعة "حق حصري للحكومة" التي قنونت تزوير الشهادات والوثائق الرسمية الأخرى وبادرت إلى إصدار قرارٍ بوقف المساءلة عنها، وهو تزوير يطال عشرات الآلاف من المسؤولين في الدولة ورجالات السياسة المشاركين في مختلف أجهزة الدولة والموظفين العاملين ومفاصلها، ومنهم مسؤولون في مجالات التربية والقانون والأجهزة الأمنية والعسكرية.
ولا شك أن حديث رئيس الوزراء ومسؤولين آخرين عن اختراقات في منظمات المجتمع المدني من الإرهابيين والقتلة، صحيح من حيث المبدأ، ولكن هذه الاختراقات لا علاقة لها بمنظمات المجتمع المدني ونشطائها الذين لم يتلوثوا بأدران النظام السابق وليسوا ضمن قطيع فضلاته، والحالات التي يشير إليها، لا تخرج عن محيط المحاصصات الطائفية ولا تخرج إلا من عباءاتها، ولا تجد الملاذ الآمن خارج البيئة التي أفرزتها، ولن تجد هذه الاتهامات شفاعة لها دون تغطية رسمية، ولابد أن لا ينسى السيد رئيس الوزراء بان أمانته العامة لمجلس الوزراء هي المعنية، مثل كل أمور السياسة والعمل والمساعدات، بإجازة منظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات، فكيف "يتم اختراق قبضته الحديدية وتتأسلم أصابعها" منظمات إرهابية تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان.؟ وإذا توقفنا عند المثل الذي اعتمده للطعن في مصداقية منظمات المجتمع المدني المعروفة بتاريخها ووطنيتها ومساهمتها في التصدي للإرهاب، فعلى السيد رئيس الوزراء أن يبحث عمّن كان وراء التستر على المجرم الإرهابي ومشاركته النشيطة في قوام وفود مجلس النواب وغيرها مع شخصيات نافذة من حزبه للتحري عن أوضاع السجناء والمعتقلين مع اللجان التحقيقية وإدارات السجون والمعتقلات.!
والحديث عن الاختراقات ينطوي على مفارقاتٍ ليست في صالح رئيس الوزراء، فالعشرات من الذين وضعهم على رأس القطعات الأمنية والعسكرية كوكلاء، لا يجيز القانون له تعيينهم إلا لفترة محدودة لا تتجاوز بضعة أشهر على أن تقترن الموافقة على أمر بقائهم بالبرلمان، مع أنهم مشمولون بالاجتثاث، وخدمات البعض من قادة الأجهزة الأمنية معروفة وسجلاتهم لا تزال قيد التداول، فلمن سيوجه الاتهام إذا ما ظهر يوماً أن أحداً من هؤلاء ضالعٌ في الإرهاب؟، ويقيناً، أن علاقة نعمان داخل آمر لواء الرتل السريع، المتهم بالرشوة، يؤشر لعرابه بالبنان، إن كانت الإشارة تنفع. وأياً تساق التبريرات ومن المسؤول عن التغطية التي توهم رئيس الوزراء، ففي أي خانة يضع احتضانه لمزوّر وشبه أمي وصنيعة لعدي وعضو فرقة لم يقطع علاقته بالصداميين، ويتعامل مع الحقائق حوله، كما لو أنها افتراضات يصعب تعامله معها، خصوصاً وان أمره منوطٌ بأخطر مجالٍ في ظل النظام الديمقراطي، واعني بذلك السلطة الرابعة المراد لها أن تكون جزءاً من منظومة الفساد والرشوة التي كرستها المحاصصة الطائفية وأمراؤها المتنفذون.
لم يرتبط "الختم الحكومي" بقوننة التزوير فحسب، ولا بإضفاء المشروعية على الفساد ونهب المال العام، بتجاوز حتى الحالات التي تفقأُ عين البصير، كما هي حال قريب محافظ بغداد وهو من خلصائه، بل أن هذا الختم ارتبط بالتجاوز على الدستور وشرعيته، عندما أصر رئيس الوزراء على إمرار السلة الفاسدة لنواب الرئيس، لتطييب خاطر مرشحه المرفوض من الجميع حتى من كتلته، وتغاضيه عن انتحال صفة نائب رئيس لإتمام هذه الصفقة التي أثارت حفيظة العراقيين، وغضب المرجعية الشيعية في النجف.
فهل بعد هذا الفساد في التعامل مع الأمور بمكيالين من مساحة لتوجيه الاتهام جزافاً إلى المواطنين الذين لا يمكن أن يركنوا إلى الصمت في مواجهة التعدي على حقوقهم التي يكفلها الدستور والتعريض بسيرتهم الوطنية وسمعة منظماتهم.
 دعنا أيها السيد رئيس الوزراء نستعين بمنطق الوطنية التي اعتمدنا أصولها عندما كنا في المعارضة، ونعتمد حقائقها، ونتجنب مطبات وآثام كرسي السلطة لأنه إلى زوال مهما طال الزمن.. 
وليكن إخلاصنا للحقيقة، والحقيقة وحدها، وبخلاف ذلك فإن كل ادعاءاتنا، دينية أو عقائدية وكل تاريخ نضالنا ضد الدكتاتورية وضد الطغيان وكل مطالباتنا بالحرية وبالعدل ستكون في منظور التاريخ والشعب مجرد أوراق للعبور إلى سلطة، وأية سلطة هذه التي نعبر إليها عبر قوارب ورقية؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram