فيصل لعيبيعندما دخلت معهد الفنون الجميلة، ببغداد عام 1964، سمعت عن الفنان(طالب مكي)، كأبرز طلاّب الفنان الكبير (جواد سليم)، لم أره شخصيا، ولم أر له عملاً فنياً إلا بعد أن عرض (جماعة المجددين) معرضهم الأول، عام 1966 حيث شارك فيه الفنان طالب مكي بتمثال من البرونز على ما أظن، لوجه شخص مربع الشكل، عيناه على شكل دوائر وأنفه على شكل خط مستقيم وخال من الفم. وتتخلل مساحة سطح الوجه حزوز وخطوط أفقية مختلفة.
هذا أول لقاء لي بفن طالب مكي، دون أن ألتقيه شخصياً، تابعته بعد ذلك على صفحات مجلة (العاملون في النفط )، من خلال تخطيطاته القوية والسريعة الحركة. مخطط متمكن وجريء معاً.rnومع وجودنا في المعهد ، كنا نسمع الإطراء الذي يسبغ على طالب مكي من قبل طلبة القسم المسائي وبعض أساتذة القسم النهاري، لكني حظيت بمقابلته شخصياً عندما بدأ نا العمل في إنشاء مجلة (مجلتي) ، هناك كان طالب بلحمه وعظامه ولا أقول شحمه، لأنه كان نحيفاً وطويل القامة، فهو أطولنا قامةً وأكبرنا سناً، هناك كان العمل معه في منتهى الروعة، نكات ، مقالب، وزعل ثم رضى ، وصال ودلال وغيرها من مفارقات العمل في الصحافة وخاصة صحافة الطفل وتحت جو من الريبة ببعض العاملين – المزعجين - .كان طالب جاداً في عمله ومخلصاً له وشديد الحرص على مستوى تنفيذ أعمال الرسامين الذين يقبلون في المجلة، وكم مرة رأيته يطلب من أخيه أديب ان يعيد رسم هذا المشهد او ذاك، كي تبدو القصة اكثر جاذبية ومعقولية أيضاً، كان حرصه هذا يدفعنا، نحن الذين عملنا معاً كزملاء وفريق عمل متجانس، الى التعلم منه – هنا أتكلم عن نفسي شخصياً – فقد كنت أراقب عمله وحرصه ودقة رسومه، كي أضف الى ما عندي من أشغال، بعض تلك الجوانب التي تتحلى بها رسوم طالب، مع ان رسومي عادة لا تشبه في طريقة رسمها رسوم طالب الواقعية ، فقد كنت مهتماً بشخصية (نبهان)، التي عرفت بها، وهي شخصية كاريكاتيرية، استمدت معظم ملامحها من شخصية (السندباد) التي كان يرسمها الفنان المصري الكبير ( حسين بيكار) ، في مجلة (السندباد) الخاصة بالأطفال أيضاً، وقبل صدور مجلة (سمير) الشهيرة.لكن طالب النشط والمتحرك في مجال الرسم الصحفي، كان مع الأسف قليل الإنتاج في مجال العرض التشكيلي وإقامة المعارض، مع ان الكثير من أعماله المرسومة للصحافة يمكن تحويلها إلى أعمال تملك كل مواصفات اللوحة الجديرة بالتعليق على جداران البيوت وصالات العرض.كان من أبرز جماعة المجددين، لكنه اقلهم إنتاجاً، وهذا ينطبق على العديد من الفنانين المهمين في العراق، حيث نجد ان أكثرية هؤلاء لا تتعدى معارضهم الشخصية أصابع اليد الواحدة ولم يتعرف عليهم الجمهور كما ينبغي، مع ان العديد من الذين هم أقل أهمية وموهبة منهم ، قد تجاوز معظمهم في معارضه الشخصية العشرين معرضاً . هل العبرة في المعارض أو عددها؟ طبعاً لا، لكن كثرة المعارض تجعلك في الواجهة وتحظى بجمهور وذواقة من مختلف الفئات العمرية والطبقية، وهذا امر هام في عصر تحول العمل الفني الى سلعة تجارية بامتياز. فالفن اليوم قد تحول الى بضاعة ولها أسواق ومزادات ودور عرض للبيع وليس للفرجة فقط وقسم من دور العرض عليك ان تدخلها من خلال دفعك لرسوم الدخول، مثل المتاحف والمعارض الخاصة التي تقيمها الدول الأوربية في متاحفها الشهيرة. أين دليل أعمال الفنان صلاح جياد أو الفنان وليد شيت مثلاً لماذا لم يفكر احد بأرشفة أعمال هؤلاء وغيرهم، وكيف يمكن للدارس ان يكتب عن طالب مكي او نعمان هادي وغيرهما وهو لا يملك أكثر من ثلاثة صور أو أربعة عن كل منهما؟هناك فنانون ، ربما - وأقول ربما - قد ساهموا في تغييب نتاجاتهم عن الساحة الفنية بأنفسهم، وطالب مكي واحد منهم، إذ كان باستطاعته أن يطبع له دليلاً يحوي معظم ما قام بتنفيذه من أعمال، إن لم تكن كلها، لكن السؤال هو : هل صور طالب مكي او صلاح جياد قد صورت كلها، او هل يعرفان هما بالذات مصير بعضها؟.أعتقد أن من المفروض على دور النشر عندنا، والمؤسسات الحكومية المتخصصة، ان تقوم بهذا الدور، وهو دور مهم وضروري وواجب وطني حقيقي، لا يختلف عن واجب حماية الآثار والتراث المعرفي لمجتمعنا العراقي المعاصر.هناك فنانون لم يسمع بهم احد، كالفنان هادي الصقر، الذي كان شاغل الدنيا ومالئ الناس في بصرة الستينات!!! وأين الفنان عبد الله الشيخ وأين أعماله في المتحف العراقي؟ * وكذلك الفنان حسن شويل، أحد أبرز فناني السبعينات الذي غادرنا الى فرنسا ، ثم إيطاليا واختفى هناك.rn* يعيش الفنان عبد الله الشيخ، اليوم في المملكة العربية السعودية، وهو فنان معروف هناك وله معارض عديدة في منطقة الخليج وغيرها.أين أعمال الفنان فائق حسين المهمة ؟ وأعمال الفنان إبراهيم زاير ؟ لماذا لا يطبع الفنان وليد شيت دليلاً لأعماله ؟ ، كي يستطيع الباحثون من متابعة أجيال الفن في عراقنا المتشظي والمتوجه إلى الهاوية ، بهمة دعاة القرون الوسطى وأفكارهم الجهنمية. هناك العديد من الأسئلة المحرقة والجديرة بالإجابة، نحن في حاجة لتناولها بحرص ومسؤولية.هل فكر المسؤولون عندنا في ضم مجموعة من الأعمال الحديثة للفنانين : صلاح جياد، نعمان هادي، مهدي مطشر، أرداش كاكافيان، كاويان محمود، غسان فيضي، عفيفة لعيبي، سليم عبد الله، مكي ح
طالب مكي زاهد فـي الشهرة.. مسرف فـي ابداعه
نشر في: 7 يونيو, 2011: 06:05 م