سامي عبد الحميدكنت آنذاك طالباً في الصف المنتهي لفرع التمثيل بمعهد الفنون الجميلة عندما علمت إن أستاذنا (عبد الجبار ولي)، وكان قد عاد من أمريكا بعد إنهاء دراسته للسينما هناك، قد عزم على إخراج فيلم بعنوان(من المسؤول) اعد السيناريو له عن قصة للاديب الراحل (ادمون صبري) وراح يبحث عن ممثلين من خارج الوسط الفني ما اثار حفيظة طلابه وكنت انا وزميلي(بدري حسون فريد) منهم مما دعانا الى ان نكتب مقالات في الصحف ننتقد فيها توجه أستاذنا، وكنا نخجل أن نواجهه برأينا حيث كنا نعتقد إننا الأولى بتمثيل ادوار الفيلم.
بعد فترة قصيرة من نشرنا مقالتنا تلك استدعيت من إدارة شركة سومر للإنتاج السينمائي وكانت هي الشركة المنتجة لفيلم (من المسؤول) واخبروني بأن المخرج قد عهد إلي بدور رئيس في الفيلم وهو دور (الطبيب) الذي يعتدي جنسياً على بطلة الفيلم وكانت تمثله (ناهدة الرماح)، وبالفعل فقد حضرت بعد ذلك إلى أستوديو بغداد لتصوير اللقطات الأولى من الفيلم وكنت فرحاً لكوني أخوض تجربة التمثيل في السينما لأول مرة كان المشهد الأول الذي صورته يقع في عيادة الطبيب حيث يقوم بفحص بطلة الفيلم وقد دهشت وأنا ادخل موقع تصوير وأشاهد الأضواء مسلطة عليه ومدير التصوير الهندي (ديفيجا) يفحص الكاميرات وحركتها. ومن شدة دهشتي وفرحتي فقد نسيت ان أضع سماعة الفحص في إذني عندما باشرت فحص بطلة الفيلم مما جعل كادر العمل يضحكون لهفوتي.عرض فيلم (من المسؤول) في سينما غرناطة عصراً ،وحضر الممثلون حفل الافتتاح واستقبلنا الجمهور بالتصفيق مما دعانا نزهو بأنفسنا لكن ما ان انتهى عرض الفيلم حتى شعرت بان ما شاهدناه لا يرقى إلى المستوى الفني المطلوب ولذلك أسرعت بكتابة نقد للفيلم نشر في اليوم التالي في جريدة (الأخبار) وبوقتها كنت اكتب نقداً أسبوعيا للأفلام التي تعرض في دور السينما في بغداد. اثار نقدي حفيظة المخرج والشركة المنتجة وبطلة الفيلم (ناهدة الرماح) مما دعاها إلى ان تظهر احتجاجها وذلك بالامتناع عن حضور تمارين مسرحية (الرجل الذي تزوج امرأة خرساء) لأناتول فرانس التي كنت أقوم بإخراجها لفرقة المسرح الحديث وكانت (ناهدة) تمثل دور البطولة فيها أيضاً وسبب امتناعها عن حضور التمارين حرجاً لي ولفرقتي المسرحية واستطعنا بعد حين ان نقنع (ناهدة) بالعدول عن موقفها والتواصل معنا، وبعد ان اعتذرت لها وللشركة عن كتابتي ذلك النقد. المهم كان سبب عدم رضاي على الفيلم هو إحساسي بان المخرج لم يستطع التخلص من تأثيرات المسرح على إخراجه وعلى أداء الممثلين، ذلك الإخراج الذي لم يستفد من حركة الكاميرا وعدستها بدلاً من حركة الممثلين وتعبيرهم المصطنع نعم كان (الميزانسين) مسرحياً وليس سينمائياً.بعد ذلك حدث الأمر نفسه مع (شركة شهرزاد للأفلام الملونة) عندما أخذت تتهيأ لإنتاج الفيلم التاريخي الملون وبالسكوب (نبوخذنصر) فقد علمنا ان مخرج الفيلم الراحل (كامل العزاوي) راح يبحث عن ممثلين من غير طلبة وخريجي معهد الفنون الجميلة فقد كتبت مقالة أعاتب فيها المخرج لعدم قيامه باستدعائنا للمشاركة في الفيلم، فما كان منه بعد أيام من نشر المقالة حتى استدعاني الى مقر الشركة وفاتحني بتمثيل دور الملك (نبوخذنصر) وبمساعدته في الإخراج وكانت فرحتي عارمة وكانت دهشتي أعظم حينما أخذني (العزاوي) الى (أستوديو بغداد) ليطلعني على التحضيرات الجارية لتصوير الفيلم حيث أقيمت الديكورات الفخمة التي تمثل قاعة العرش والمعبد والمرافق الأخرى ،حيث تهيأت جميع المستلزمات المطلوبة للفيلم من أزياء وإكسسوارات وأسلحة وعربات وغيرها.بعد أيام من تصوير عدد من مشاهد الفيلم حضر مدير الإنتاج (غسان الملاك) إلى الأستوديو وأعلن إن علينا أن نصور نسخة من الفيلم باللغة الانكليزية بعد ان وافقت إحدى الممثلات الانكليزيات على تولي دور البطولة إلى جانب الممثلة العراقية.في البداية سررنا بالخبر وبالفعل تم ذلك وحضرت الممثلة الأجنبية وأخذنا نصور كل مشهد مرتين: الأولى بالعربية مع الممثلة العراقية، والثانية بالانكليزية مع الممثلة الانكليزية المزعومة(حيث لم تكن ممثلة أصلاً كما عرفنا في ما بعد) غير إنني وزميلي (بدري حسون فريد) قررنا التوقف عن التصوير لسببين :الأول إن الشركة لم توافق على تعويضنا بأجور إضافية عن تمثيلنا كل مشهد مرتين ،والثاني إننا شعرنا بان أداءنا باللغة الانكليزية لم يكن جيداً وإلقاءنا تلك اللغة لم يكن مفهوماً وان النسخة الانكليزية للفيلم لن تعرض للجمهور. بعد توقف عن التصوير دام أكثر من أسبوعين عدنا للعمل بعد أن خضعنا لتوسط أستاذانا حقي الشبلي ولكن التصوير اقتصر على النسخة العربية لان الممثلة الانكليزية المزعومة كانت قد تركت العمل فجأة وغادرت العراق. في عام 1961 أجريت للفيلم عملية مونتاج ثانية قام بها المخرج (محمد شكري جميل) في احد استوديوهات لندن وكنت أنا هناك ملتحقاً بالأكاديمية الملكية لفنون الدراما ادرس التمثيل ولذلك تم عرض الفيلم عام 1962،لكنني لم استطع حضور حفل الافتتاح.
كيف دخلت حقل السينما؟
نشر في: 10 يونيو, 2011: 07:36 م