TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى: الراجز المعاصر ثورياً..قراءة في "سفر الفقر والثورة" للبياتي

تلويحة المدى: الراجز المعاصر ثورياً..قراءة في "سفر الفقر والثورة" للبياتي

نشر في: 10 يونيو, 2011: 07:45 م

 شاكر لعيبي1-4ملاحظتان تفرضان نفسهما قبل قول كلمة عن ديوان الراحل عبد الوهاب البياتي "سِفر الفقر والثورة". ملاحظتان قد تبدوان شكليتين في الوقت الراهن الذي تتسيّد فيه قصيدة النثر إلى حين:الأولى: تتعلق بدلالة الأوزان التي يستخدمها الشاعر، والرجز على رأسها بشكل ساحق، ثم الكامل في نصه المعنون "قصيدتان إلى ولدي علي"، وأحيانا نادرة بحر الوافر.  ظل البياتي متشبثا بالرجز حتى وفاته، وفي ذلك دلالة كبيرة.
الثانية: تتعلق بالقافية الصادحة التي ترنُّ بإلحاحٍ في شعره.الرجز من أكثر الأوزان العربية جوازاتٍ وزحافاتٍ حتى أنه سُمي "مطية الشعراء" لسهولة القول فيه . وفي ظني فإن الكثير من الكلام المألوف، أي النثري واليومي والصحفي يمكن أن يكون رجزاً ببعض التغييرات الطفيفة. ها هنا مثال افتراضي يمكن أن يُكتب في الصحافة:قال الرئيس التونسي أن عالما جديداً مشرقاًلن يرفض الثورة في بلادنامستفعلن مستفعلن مفاعلنمفاعلنمستفعلنمستفعلنمُتْفعلنمفاعلنإنه لذلك أقرب للعفوي والشفاهي والنثري الذي سمح بسهولة كبيرة للبياتي بالذهاب إلى المناطق التي كان يودُّ ارتيادها. لكن الرجز سمح له بتوطين أسلوبه القائم على جملة واضحة، واستعارة مفهومة، وقول مباشر مفهوم من طرف غالبية القراء العرب، وبالتالي إيصال رسائل شعرية بأكبر قدر من الإحكام والترابط المنطقي. سأعود إلى الترابط الذي يَسِمُ قصيدة البياتي.لو أن فرضيتي التي تزعم أن البياتي كان شاعراً راجزاً في المقام الأول، في جُلّ قصائد "سفر الفقر والثورة" في الأقل، فما دلالة استخدام هذا الوزن الشعري أولاً يا تُرى، ثم ما معناه في السياق الاجتماعي الشعبيّ العربي، المتأجج بالغضب والثورة يوم كتب البياتي مجموعته عام 1965؟. وهل أن السياق التاريخي والثقافي الكلاسيكي الذي طلع الرجز فيه واستخدم بوفرة يتطابق مع السياق الذي كتب البياتي فيه على الوزن نفسه؟.كان الرجز نوعاً من الزجل أو المواويل وفق عبارة الدكتور طه حسين القائل: "الذي نعرفه عن الرجز أنه كان في العصر الجاهلي فنا من فنون الشعر لا يحفل به الشعراء، ولا يقفون عنده، ولا يلتفتون إليه، وإنما كان شيئا أشبه بالزجل أو بهذه المواويل". نوع اتخذ إزاءه نقاد الشعر العربي الصارمون الأوائل موقفا حازماً، لكن ليس جمهرة وعامة الناس الذين أعجبوا به وأحبوه، لأنهم وجدوا فيه شيئا من البداهة والعفوية. كان فناً شعبياً، قصيدة يومية كما يمكن أن نقول الآن. يذهب الباحثون إلى أن شعبية الرجز لا تبدو في الموضوعات وحدها إنما تمتد إلى لغته التي تطرح تناقضاً شكلياً عند الوهلة الأولى، ويطرحون الفرضية التالية: "لو جمعنا معجماً يضمّ الألفاظ الواردة في الرجز، وآخر للألفاظ الواردة في الشعر الراقي، لوجدنا اختلافاً كبيراً بينهما، فالشعراء ضيقوا على أنفسهم لخصوصية فنهم واستعملوا ألفاظا معينة مفهومة لدى جميع القبائل أو معظمها .أما الرجاز فوسّعوا على أنفسهم، واستخدموا ألفاظا خاصة بقبائلهم،لذلك عُرف عن الرجز غرابه اللغة، وغموض الألفاظ، لا علينا نحن المتأخرون فقط. إذن فقد كان الرجاز أحراراً في اختيار ألفاظهم، بخلاف الشعراء، وكذلك كانوا أحراراً في معاملتها، فاشتقوا منها ما حلا لهم من الاشتقاقات، وتصرفوا في الألفاظ زيادة وحذفاً، فخففوا المشدد، وفكوا المدغم، وادغموا المفكوك وحذفوا حروفاً وزادوا حروفاً".وهو ما ذهب إليه من قبل كارل بروكلمان في "تاريخ الأدب العربي" عندما قال: "كان شعراء الجاهلية إنما يستعملون الرجز في أحوال البديهة والارتجال فحسب. ولكن الرجز لقي في العصر الأموي عناية خاصة عند كثير من الشعراء، فأخذوا يذهبون به مذهب القصائد، وعمدوا إلى تخفيف ما تتركه بساطة العروض وسذاجته في النفس من ملل، بحلية فنية من الألفاظ الغريبة، والعبارات البعيدة المأخذ، بل ربما كان هناك وجه من الحق في اتهام الراجزين الكبيرين، اللذين يُمثّلان هذا المذهب الشعري، بأنهما عملا على زيادة ثروة المعجم العربي بما أضافا إليه من وضع صيغ جديدة [يقصد العجلي والعجاج].

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram