علــــي حســين الأسوأ من المبشرين بعودة نظام الحزب "القائد" هم الجالسون على "مصاطب" الاحتياط، يجرون عمليات الإحماء منتظرين إشارة من احد الكبار للنزول إلى الملعب والحصول على فرصة يحلمون بها، بعض هؤلاء يعارض أحيانا توجهات حكومة المالكي، ليس لأنهم ضد أن يتحول العراق إلى مقاطعة يحكمها فرد واحد، بل لأنهم لا يجدون دورا يلعبونه في هذه المقاطعة، وأكاد أجزم أن بعضهم يمثل أحيانا دور المعارض
على طريقة شقاوات أيام زمان "وياهم وعليهم"، فهو يفتتح يومه بالهجوم على خطط الحكومة، بينما هو في قرارة نفسه مع الحكومة، شرط أن تزيح الآخرين عنه، عارضا خدماته ولسان حاله يقول: "أنا الأفضل في هذا الموضوع" ويمنّي النفس بأن يتعكر دوما صفو العلاقة بين الحكومة وأية أطراف أخرى يتوهم أنها تنافسه الحظوة أو ربما تقاسمه المكسب، وهو يرفع شعار "أنا البديل الجاهز لتنفيذ أية مهمة وبنجاح اكبر وبتكلفة اقل".كنت أتصور أن سقوط نظام "القائد الضرورة" سيمحي هذه الرغبات أو سيجعلها تظل مخبأة في الصدور، غير أن البعض فضل أن يجاهر بها وسط ساحة التحرير وينصب نفسه متحدثا باسم "نجل" المالكي الذي أصبح اليوم يمسك بزمام ديوان رئاسة الوزراء، متسولون يطالبون ولو بربع فرصة لإظهار مهاراتهم التي يراهنون بها على تمكنهم من إبعاد الآخرين وانتزاع الحظوة والاقتراب من جيب الحكومة. وبصرف النظر عما إذا كانت الرسالة التي قدمها أمس البعض من الذين هتفوا بحياة رئيس الوزراء، تطوعية مجانية، أو بتنسيق أو استئذان من "احمد المالكي" فإن النتيجة في النهاية واحدة وهي أن الحكومة رائعة وجميلة ولا غبار عليها، ومن ثم لا بأس أن يستمر الحال على ما هو عليه.تأييد الحكومة ليس تهمة، هو موقف على صاحبه أن يتحمل مسؤوليته ولا يخجل منه، وهنا يمكن احترام أولئك الذين لا يخفون غرامهم بالحكومة.. لكن يصعب كثيرا احترام من يعارض الحكومة ليلا ويؤيدها نهارا، من يريد أن يحصل على كل شيء، على صورة البطل المعارض للحكومة في المقالات والفضائيات، وصورة مؤيد الحكومة الفعلي عندما يحين وقت القبض. بصورة أوضح، فالمرء لا يملك إلا احترام البعض من السياسيين والمثقفين بشأن مواقفهم الواضحة في تأييد الحكومة، حتى لو اختلفنا معها، لكن ما لا يمكن احترام أولئك الذين بدأت أعدادهم تتزايد، وصورتهم تتضح يوما بعد يوم، يغيرون مواقفهم كل لحظة، ولدى بعضهم من أساليب "القرقوزات" ما قد يقنعك بأنه لا فارق بين حكومة اليوم وحكومة الأمس، وتراه يدعي الماركسية وهو يقبض من الأمريكان علانية، كما لا يوجد فرق عنده بين أن يكون إسلاميا وفي الوقت نفسه يدافع عن المستبدين والفاسدين. سيتهمني البعض بأنني أقف بالضد من الذين خرجوا ينددون بالإرهابيين ويطالبون بإنزال القصاص العادل بهم، والحقيقة إنني كنت ولا أزال أتمنى أن تخرج تظاهرات تطالب بالقصاص من كل الإرهابيين وقتلة الشعب العراقي وأيضا من كل من افسد حياة الناس وسرق أموالهم فكلاهما إرهابي، أن تقتل الأبرياء إرهاب، وان تسرق وتخرب حياة الناس إرهاب، وان تزور وترتشي إرهاب، أن تعتقل الناس بتهم باطلة إرهاب، على هذا كله أتمنى أن يخرج العراقيون، ولا أدري لماذا لا يتحلى منظمو تظاهرات الحكومة بقليل من الرحمة والشفقة إزاء هذا الشعب المسكين الذي يطلب منه دوما أن يصفق ويهتف بحياة المسؤولين، بينما لا يشاركه أحد من السادة المسؤولين، في فرح أو حزن، كما أن القصة كلها مسكونة بالألغاز وعلامات الاستفهام، إذ لم يقل لنا أحد من السادة الذين اخرجوا "السكاكين" من جيوبهم لضرب شباب ينادون بالإصلاح، من سلمهم هذه السكاكين ولماذا صمتت قوات قاسم عطا عن هذا الفعل الإجرامي الخطير؟ لا نستطيع أن نصادر حق أحد في أن يضع نفسه في المكان الذي يريد، كل ما نرجوه من طالبي الوظائف عند الحكومة أن يعلنوا عن أهدافهم وأحلامهم بوضوح، بدلا من هذه التمثيلية المضحكة التي تحولت في النهاية إلى مأساة تم الاعتداء فيها على شباب ذنبهم الوحيد أنهم لا يريدون أن يتوظفوا عند احمد المالكي.
العمود الثامن : طلب وظيفة عند المالكي

نشر في: 10 يونيو, 2011: 11:09 م