كان يا ما كان في سالف العصر والزمان بائع دبس في بغداد يستخدم حماره لبيع بضاعته ، يجوب الأزقة منذ الصباح الباكر، ولكثرة تجواله عرف الحمار الطريق ونقاط التوقف يوم لم تعرف المدينة إجراءات أمنية مشددة، فكان خير معين لصاحبه فاستحق من بائع الدبس الثناء والشكر والعرفان لجهوده الكبيرة في الحصول على رزقه اليومي ، فأصبح الحمار سلطان زمانه بوصفه عنصرا مهما في توفير دخل الأسرة اليومي.
سلطان زمانه بائع الدبس كان أكثر معرفة من صاحبه في معرفة الأزقة، وتفوق عليه بالنشاط لأنه لا يبدي أي تذمر من التعب والملل، ويتحاشى المرور في طرقات اعتادت خيول قادة الجيش والأمراء ومستشاري السلطان والمقربين منه استخدامها عندما تخرج من قصره إلى أماكن أخرى، وهو يعرف مواقع سكن زبائن صاحبه الراغبين في شراء الدبس صيفا وشتاء حتى أصبح مادة رئيسية لغذائهم لزيادة نشاطهم ونسلهم كما كانوا يعتقدون.
صادف أكثر من مرة أن توجه الحمار بمفرده إلى منزل بائع الدبس تاركا صاحبه مستمتعا بغفوته في ظل نخلة أو جدار، وعندما يصحو من الغفوة الاضطرارية يهرع مسرعا وراء حماره فينهال عليه بالضرب لإدخاله المنزل والحيوان يرفض، وانتهى الاعتداء عندما ظهر صاحب المنزل فأدرك بائع الدبس انه على خطأ بإجبار حماره على الدخول في بيت جاره وليس منزله، وهذه الحادثة أكدت حقيقة أن الحمار تفوق على صاحبه بالذكاء فاستحق بجدارة أن يكون سلطان زمانه في نظر من سمع بتلك القصة التي منحت لحمار بائع الدبس شهرة واسعة، وصلت إلى قصر السلطان.
احد مستشاري السلطان تجرأ في احد الأيام وتحدث في البلاط بحضور جمع كبير من قادة الجيش والأمراء عن قصة حمار بائع الدبس، وسرد تفاصيلها بكل دقة ووسط دهشة الحاضرين واستغربهم من تطاول الرعية على سلطانها والتنكر لعطاياه السخية ودوره في ملاحقة اللصوص وقطاعي الطرق وانتصاراته التاريخية على الأعداء عقد اجتماع عاجل وفوري وصدرت عنه توصيات وقرارات في مقدمتها تقديم بائع الدبس الى القضاء ، ومنع الأهالي من ترديد عبارة سلطان زمانه و تحريم تناول الدبس حتى إشعار آخر، واقترح احدهم تشكيل لجنة تتولى إحصاء الحمير لمعرفة أعدادها وترقيمها، وإجبار أصحابها على تنفيذ الأمر السلطاني القاضي بمنع إطلاق أي اسم على الحمار من دون موافقة الجهات المعنية بهذا الأمر.
وتنفيذا لمقررات الاجتماع تم القبض على بائع الدبس وحماره، فمثل أمام كبير القضاة في بلاط السلطان بحضور كبار المستشارين، ووجه القاضي سؤالا لبائع الدبس: من سلطان زمانك؟ فقال المتهم من دون تردد: حماري. كرر القاضي السؤال أكثر من مرة والمتهم يصر على جوابه، فأثار غضب الحاضرين وأشهر احدهم سيفه ليقطع رأس المتهم، لكن السلطان منعه من التهور احتراما للقضاء ليقول كلمته الفصل في قضية تهدد الأمن القومي، و قبل النطق بالحكم سمع الجميع صوت نهيق الحمار فصرخ صاحبه: اسمعوا سلطان زمانه،
وكأنه يريد أن يعطي درسا للحاضرين بأن الرعية تريد سلطانا يرعى مصالحها.
لكن نظرية بائع الدبس في إدارة الحكم لم يفهمها السلاطين فعاشوا عيشة سعيدة.
سلطان زمانه
[post-views]
نشر في: 21 ديسمبر, 2012: 08:00 م