سعد سلومسوف نتذكر جميعا تلك الصورة القوية لـ"هناء ادور" تقف امام رئيس الوزراء وهي تعرض صور الشبان الاربعة الذين تم اختطافهم علنا وفي وضح النهار، وكانت الرسالة واضحة: ان المجتمع المدني يرفض خداع الجماهير بخطاب مداهن عن حقوق الإنسان في وقت يداس فيه الدستور بأقدام رجال الامن على ارض ساحة التحرير، وان لا قيمة لحرية مشروطة برضا النخب السياسية، حرية بمقاس ضيق يتسع لمصالح افراد وأحزاب وجماعات لا تمثل صوت الجماهير، لا سيما وان الاخيرة ينظر اليها من خلال مقياس كمي اعمى بوصفها اصواتا في المواسم الانتخابية فحسب.
كانت هناء تريد ان ترسل هذه الرسالة : هؤلاء الشبان الأربعة وهم في طريقهم للمشاركة في الاحتجاجات الجماهيرية للمطالبة بالإصلاح ليسوا اربعة ارقام صماء، بل هم إيقونات للتحول الذي تمر به المنطقة، وهم رمز على قدرة الأجيال الجديدة على تحويل الوعي الى رغبة بتغيير العالم على نحو أفضل. ولكن من هي هناء ادور؟، وهل انبثقت من العدم لترسل بهذه الرسالة الواضحة الى عالم السياسة؟. هل هي مجرد تقليعة غربية، او موضة لعالم ما بعد الاحتلال، ام هي نتاج نضال عراقي نقي وصاف لم يتلوث بوحل منطق السلطة؟تتحرك هناء أدور داخل مبنى "جمعية الامل" وكأنها تدير خلية نحل لا تهدأ، تتبادل الحوارات وتدير رأسها في حركة تركيز عميق، تستمع الى مطالب الجيل الجديد من نساء العراق اللواتي وجدن بعد 2003 .ان قضية المرأة تحتاج الى نضال لتثبيت حقوقها، وانه لم يعد ملائما تقبل الواقع بسلبية، تقول في اشارة الى تميز عاملات معها في الجمعية " المرأة العراقية تمتاز بروح التحدي، وليس هذا حكرا على الجيل القديم، فالجيل الجديد يتمازج اليوم مع الجيل القديم، واليوم غالبية المنظمات النسوية عاملة في العراق تقودها شابات طموحات، وهناك قصص بطولة لعراقيات من جميع المحافظات". بهذه الكلمات تحاول إثبات وجهة نظرها من ان المنظمات النسائية أكثر انتظاما وثباتا وعطاء في العمل المدني، فالحركة النسوية برأيها كانت مواظبة على مطالب محددة منذ عام 2004 وحتى اللحظة، بل ورسمت سياسة متدرجة في المطالبة بحقوق المرأة ،مثال ذلك قضية الكوتا، تأهيل المرأة، الترشيح، الضغط على صناع القرار. تصف هذا النشاط بالقول " تضم شبكة النساء العراقيات اكثر من 90 منظمة نسوية داخل العراق، وهذا شكل من العمل الجماعي يتجاوز التقسيم العرقي و الديني والطائفي، فنحن بذلك في طليعة كسر حاجز التفرقة ورفع روح المواطنة داخل البلاد". "المرأة بالنسبة لي هي قضيتي الاساسية". بهذه العبارة تلخص هذه الناشطة المدنية معنى حياتها خلال تقلبات الزمن العراقي، ولكن هذا التواضع لا يشير الى ان قضيتها افق يتسع في ظل تحديات تتكاثر ومتطلبات يتقدم المجتمع المدني فيها ليملأ الفراغ الذي تركه انشغال السياسة بمنطق السلطة، الى ان اصبح المجتمع المدني شريكا فعليا في "بناء الدولة" ولم يعد دوره مقتصرا على العمل الخير والانخراط في السياسات الاجتماعية كما هو حال بقية التجارب المقارنة في العالم، اذ ساهمت منظماته في التوعية الانتخابية وقدمت خططا وبرامج ناضجة في مقابل سياسات ارتجالية للحكومة واقترحت مشاريع القوانين في وقت كانت فيه اللجان البرلمانية تفتقر لمستشار واحد ذي خبرة!. ونذكر ابرز مثال على ذلك في دور منظمات المجتمع المدني في إطار "المبادرة المدنية للحفاظ على الدستور" التي دفعت بالعملية السياسية الى امام حين واجهت انسدادا سياسيا بسبب الخلاف الشائك حول تشكيل الحكومة العراقية بعد الانتخابات. ولكن اذا قمنا بمراجعة منذ عام 2003 فعلينا ان نبدأ بقضية المرأة، وكان لهناء دور بارز فيها، فأصبح وجهها معروفا في وسائل الاعلام كمدافع عن هذه القضية، بل ان معظم النساء يرين فيها خير مدافع عن حقوقهن وكرامتهم في مجتمع ذكوري. وكانت البداية حين اصدر مجلس الحكم القرار رقم 137 لسنة 2003 والخاص بطائفية الاحوال الشخصية، نظمت المظاهرات المنددة بالقرار وشكلت وفود للاحزاب و للحاكم المدني بريمر مطالبين بالالغاء تقول " في 26 شباط حضرت جلسات مجلس الحكم وطالبت بالغاء القرار، وفي نفس الجلسة طرحت قضية "الكوتا النسائية" بنسبة تصل الى 40%، جوبهنا بنقاش وقدمنا الدلائل والاسانيد ،فقد كانت مطالبة تسندها التشريعات الدولية وضرورة تمثيل المرأة، وجاء قانون ادارة الدولة متضمنا النص على الكوتا النسائية وذهب دستور 2005 بنفس الاتجاه".وتكررت مطالبة الالغاء بصدد المادة 41 من الدستور حول الاحوال الشخصية والتي دافعت عنها الاحزاب والتيارات الدينية الاسلامية ورفضت رفعها، تقول "طالبنا برفعها من الدستور ليس لانها تمس حرية المرأة، بل لكونها تمس وحدة النسيج الاجتماعي العراقي ووحدة التشريعات الوطنية ووحدة المؤسسات المعنية بقضايا الاحوال الشخصية". ولقد نجحت الحركة النسوية في تثبيت موقف يتلخص بكون المادة احدى النقاط الخلافية في الدستور والتي تستوجب الالغاء.rnالزمن المفقود والزمن المستعادتتكأ هناء على كرسيها وتتأمل السقف مسترجعة زمنا مفقودا اوتستحضر زمنا مستعادا تقول" لقد حققت حلمي بالرجوع الى بغداد، لا اصدق انني اعيش داخل الحلم الذي سعيت
هناء أدور: إيقونة المجتمع المدني في العراق
نشر في: 13 يونيو, 2011: 05:44 م