بعيداً عن اللغة البروتوكولية، والمجاملات الدبلوماسية، التي يلجأ إليها المسؤولون العرب، عند كل لقاء أو اختلاف أو خلاف، يمكن القول إن نتائج زيارة رئيس الوزراء المصري للأردن، كانت مرضية للطرفين، على قاعدة تبادل المصالح، وبعيداً عن حكاية الأخوة والأشقاء والمصير المشترك، وما اعتدناه من عيارات خالية من المضمون، ولا يتجاوز أثرها الغرفة التي أنشئت فيها.
أصل المشكلة، أن الحكومة المصرية تلكأت في تنفيذ اتفاق مع نظيرتها الأردنية، لتوريد الغاز المصري إلى الأردن، وليس سراً أن ذلك أضر بالاقتصاد الأردني، الذي تعرض خلال العامين الماضيين لضغوط هائلة، وبلغت الخسائر أوجها مع انقطاع الغاز، الذي يعتمد عليه الأردن في توليد الطاقة الكهربائية، سعت عمان ما وسعها السعي لحل المشكلة، التي يقال إن الإخوان المسلمين في الأردن كانوا بعض أسبابها، للضغط على الدولة لإقرار " الإصلاح " المتوافق مع طموحاتهم الحزبية، لكن القاهرة أصمت أذنيها، ربما دعماً لإخوان الأردن، وربما لعجزها في ظروفها الراهنة غير المستقرة.
لم يكن بيد الحكومة الأردنية من أدوات الضغط غير العمالة المصرية، التي يتجاوز عديدها النصف مليون، منهم حوالي 400 ألف، يقيمون ويعملون بصورة غير قانونية، ولا يمتلكون تصاريح لمزاولة المهن التي ينافسون بها العمالة الأردنية، من حيث الأجور الأقل التي يقبلونها، وهي غير مجدية بالنسبة للأردنيين، لجأت السلطات الأردنية إلى عملية ملاحقة العمال المصريين، وتسفير المخالفين منهم، بعد أن منحتهم عدة فرص لتصويب أوضاعهم، ولم يكد حوالي الألفي عامل يصلون إلى مصر، مرحَلين من الأردن، حتى دق جرس الإنذار في دوائر صنع القرار في الحكومة الإخوانية المصرية، فأوفدت رئيس الوزراء إلى العاصمة الأردنية لحل المشكلة.
في عمان سمع الضيف المصري كلاماً منطقياً،عن أثر انقطاع الغاز المصري على الاقتصاد الأردني، رغم أن استمرار توريده محمي باتفاقات أوفى الأردن بالتزاماته فيها، وأن يترافق ذلك مع تواجد نصف مليون مصري يعملون في البلاد، ويحولون أجورهم بالعملة الصعبة إلى بلادهم، ويستفيدون من الدعم الحكومي للعديد من المواد الأساسية، كالخبز والماء والكهرباء، ويرفضون مع ذلك تصويب أوضاعهم القانونية، صحيح أنهم مقابل ذلك يقدمون جهدهم، لكن الواقع يقول إنه بإمكان الأردن استبدالهم بعمالة أرخص سعراً، ومحكومة بالقوانين الأردنية، فالعامل السوري في هذه الأيام، يقبل بنصف أجر العامل المصري، تحت ضغط الحاجة.
فهمت القاهرة الرسالة، العمالة مقابل الغاز، والتعامل مع عمان الرسمية ممثلة بالحكومة، وليس مع الإخوان المسلمين فيها، صحيح أن مرجعية الإخوان هنا وهناك واحدة، ولكن لا ينبغي أن ينسحب ذلك على التعامل الرسمي، ومصلحة الحكومة المصرية تكمن في التعامل مع نظيرتها الأردنية، وليس مع من يشاركونها العقيدة الحزبية، وقد صاغت عمان رسالتها بدبلوماسية، مهذبة لكنها حازمه، فالمصلحة تقتضي هذا التبادل في المصالح، بعيداً عن العقائد الحزبية والسياسات، وهي، أي المصالح، قد تقود إلى توافقات سياسية مفيدة للطرفين.
نأمل أن تكون الأزمة انتهت، ولو أن الطرفين لايسميانها كذلك، فمصلحة الحكومتين تقتضي ذلك، ومصلحة الشعبين أيضاً، إذا افترضنا أن الحكومتين تمثلان فعلاً الإرادة الشعبية في البلدين، ولينعم العمال المصريون في الأردن بفرص العمل المتوفرة، ولينعم الأردنيون بالكهرباء بأسعار معقولة، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.