علــــي حســين لا تزال الناس تذكر زهد ونزاهة عبد الكريم قاسم، ولا يزال كبار السن يتحدثون عن الرجل الذي لم يكن يحمل في جيبه أكثر من خمسة دنانير، ربما سيقول البعض إن عبد الكريم قاسم دكتاتور عسكري، لا يفقه في السياسة شيئا، وسيصر آخرون على أن سياساته أدت إلى نزاعات وصراعات دموية قادت البلاد إلى ما نحن عليه اليوم، وسيتهم بأنه السبب في القضاء على النظام البرلماني في العراق، وإذا سألت عن رأيي فيه ساقول كلاما لا يرضي محبيه،
لكني ازعم أن أحدا لا يختلف على نقائه وطهارة يده، وهو الذي كان يرأس دولة غنية تتمنى كل دول العالم أن تخطب ودها، كان عبد الكريم قاسم وهو رئيس دولة نفطية يسيل لها لعاب كبرى الشركات العالمية، يأخذ معه إلى وزارة الدفاع "سفرطاس" معدني، وحسب رواية مرافقه جاسم العزاوي فان الزعيم كان متعودا على تناول وجبة "الغداء" في مكتبه، فما أن تحين الساعة الثانية ظهرا حتى يضع "السفرطاس" على المنضدة وغالبا مايشاركه احد الحاضرين، يقول الدكتور فرحان باقر في كتابه حكيم الحكام: "في إحدى لقاءاتي بعبد الكريم قاسم حان موعد الغذاء فوجدته يأكل من "سفرطاس" كان الطعام فيه متواضعا وبسيطا جدا". بعد انقلاب 8 شباط ومقتل عبد الكريم قاسم حاول البعثيون النهش في سمعته ، فنشرت الصحف المصرية صورا لبيت قيل انه لعبد الكريم قاسم وفيه أثاث بسيط وملابس نسائية رغم أن الرجل لم يتزوج، وارادو التشكيك في ذمته المالية فشكلت لجان لتتحقق في ثرواته فاكتشفوا أن الرجل لا يملك حتى قطعة ارض .لم يكن عبد الكريم قاسم يمتلك ثروات مهربة، ولم يكتب اسمه يوما في بنوك سويسرا، ولم يشتر الشقق في بيروت ولندن، ولم يخصص لنفسه منافع اجتماعية بلغت ملايين الدولارات، ولم يشرع قانونا لزيادة راتبه، ولم يذكر أحد أنه كان شريكا من الباطن في شركات للمقاولات، و لم يتردد اسم أحد من أقاربه في مشروعات استثمارية غامضة تخطف أموال الناس في وضح النهار ، ولم يكن له متزلفون يصدّعون رؤوس الناس بخطب جوفاء، و يذكر المؤرخ رشيد الخيون أن العقيد محسن الرفيعي قال أن الزَّعيم اصطحبه في جولته الليلية إلى خلف السَّدة وكانت ليلة ماطرة فقال له: "انظر يميناً ويساراً، هل يمكن لبشر أن يعيش وسط هذه الأجواء، والله لأسكنهم في دور عامرة مجهزة بالماء والكهرباء وتتصل ببغداد بطرق معبدة"، وبالفعل شرع بذلك، وأسكن أهل الصَرائف بمساكن تليق بالإنسان.لم يدم حكم عبد الكريم قاسم سوى خمس سنوات تكالبت فيها ضده قوى الرجعية العربية والمصالح الغربية ولكنه مع ذلك حقق انجازات كبيرة، لم ينحز لطائفة ولا لحزب سياسي اليوم اتذكر " سفرطاس " الزعيم وانا اتلابع جلسات مجلس الوزراء ، فاجد ان روح البساطة قد غابت ، وان الحكمة والخبرة غادرت المكان ، انظر في الوجوه واعيد قراءة التاريخ لاجد ان الزعيم اختار وزراء على شاكلة نزيهة الدليمي ومصطفى علي ومحمد حديد وعبد اللطيف الشواف وإبراهيم كبة وحسين جميل وغيرهم من إعلام الوطنية العراقية، فيما اختار المالكي وزراء لم يبلغوا سن الفطام السياسي . للأسف يدعي البعض من ساستنا أنهم يسيرون على نهج الزعيم الراحل وان النظام الحالي يسعى لخدمة الفقراء والمعوزين والمهمشين مثلما كان يفعل قاسم، لكن الواقع يقول إن العديد منهم يخونون إرادة الشعب ويفككون كل شيء ليبيعونه بابخس الأثمان، يملأون الدنيا ضجيجا وخطبا عن العدل الاجتماعي ثم يكشرون أنيابهم لسرقة أموال هذا الشعب يتحدثون عن التنمية والمشروعات الوطنية بإلحاح شديد، بينما المواطن العادي يتعمق شعوره بالأسى يوما بعد يوم، عاش الزعيم حياة مشرفة ولا تزال سيرته ناصعة البياض لأنه مات فقيرا نظيفا طاهرا، فيما سياسيونا يعشقون المليارات، هذا هو الفرق بين زعيم انحاز لنبض الملايين وبين مسؤولين انحازوا لطوائفهم وأحزابهم وحولوا ثروات الشعب إلى خزائنهم الخاصة،فاتسعت رقعة الفقر والمظالم ، لاننا نعيش عصر المقربين من المالكي.
العمود الثامن: "سفرطاس " حكومة المالكي
نشر في: 14 يونيو, 2011: 08:47 م