TOP

جريدة المدى > سينما > فيلم (كلوز آب) وحميمية العلاقة بين الحقيقي والمنتحل

فيلم (كلوز آب) وحميمية العلاقة بين الحقيقي والمنتحل

نشر في: 15 يونيو, 2011: 08:27 م

ترجمة: نجاح الجبيلي يبدو أن لا أحد قادراً سوى عباس كياروستامي على تقدير أهمية تحدي "حسين سابزيان" للواقعية في السينما حين ينتحل شخصية "محسن مخملباف". سمّه ما شئت (وثائقي، وثائقي مع نوع من التخييل، نبوءة تحقيق الذات)، يبقى "كلوز آب" تعليقا دقيقا بصيغة فيلم على فيلم. إن رائعة كياروستامي ،ببساطتها،
 تعالج تبرير "سابزيان" الأخلاقي لانتحاله شخصية "مخملباف" (وهو بالنسبة له نشأ من شغفه بالفنون)، ومع ذلك فإن عبقرية فيلم "كلوز آب" لا تكمن في أنه يوحي بعدم وجود تبرير قانوني و/ أو أخلاقي لفعل "سابزيان" بل إن دفاعه لا يمكن أبداً سبر غوره إن لم يستطع المشاهد أن يشارك الرجل شغفه بالفنون كونها وسيلة تحرر فكري وثقافي.ينطلق السيد "فارازماد" ، وهو صحفي من مجلة "سوروش"، إلى بيت السيد "آهنخاه" التي تقع عائلته بأحابيل المحتال "سابزيان". يقول فارازماد للسائق :" إنها قصة غريبة. يبدو أن احدهم انتحل شخصية محسن مخملباف. هل تعرفه؟" ولم يهتم السائق كثيراً لأنه لا يشاهد الأفلام. وبينما يفشل القاضي في فهم اهتمام كياروستامي بقضية "سابزيان" ينجح السائق في تشتيت افتراضات المشاهد.بغض النظر عن مكانة الفيلم الإيراني البارزة في المشهد السينمائي العالمي إلا أن العديد من مواطني إيران ما زالوا يجهلون مخرجيهم. لذا فإن قراءة فيلم "كلوز آب" بين السطور الاجتماعية السياسية هي ضرورية في تقدير مصداقية قصد "سابزيان" في الاحتيال على المجتمع عن طريق أخذه دوراً في السينما الوطنية.لا يعرف فارازماد كيف يصل إلى بيت "آهنخاه" في شارع "غولزار" ويسأل رجلا على جانب الطريق يحمل ديكين روميين عن الاتجاه لكن الرجل لا يعرف ويطلب منه أن يشتري الديك الرومي.هذه اللحظة الساخرة بالمزاوجة مع مشهد السائق وهو يدحرج وعاء مكافحة الحشرات في المنحدر يبدو أنه يستخدم المشاهد في سينما كياروستامي الواقعية وكأن المخرج يحقق بشكل فعال في مقاربته الجمالية. وقبل الدخول إلى بيت "آهنخاه" كان على "فارازماد" أن يعثر على جهاز تسجيل كي يستطيع مقابلة عائلة "آهنخاه". وبعد أن يطرق أبواب  عدة بيوت ينجح في الحصول على المسجل. إن الخشية من عدم القدرة على وصف لحظة الحقيقة بغياب دليل مسجل هو أقل أهمية من فقدان عمله. ثم يظهر مشهد في قائمة المشاركين يتحدى ويضبب ويعقد أي إدراك حسي قد يملكه المشاهد عن السينما الواقعية: ربما يعتمد "كلوز آب" على قصة حقيقية لكن ممثليه يؤدون الأدوار بأنفسهم.يقول عنوان في المجلة" القبض على منتحل شخصية مخملباف" إن فرازماد لا يفهم مقاصد سابزيان ذلك لأن المدّعي كان تقياً ويستسلم دون صراع. يطلب سابزيان أن يسجل كياروستامي معاناته كي يسمح للجمهور بالاطلاع على شغفه (بالسينما والإنسانية) ويطلب كياروستامي السماح لتسجيل وقائع محاكمة سابزيان أيضاً. يقبل القاضي لكن مع شيء من الإرباك :" لا شيء مهما في هذه القضية يستحق التصوير". من آنذاك سوى العاشق المجنون للسينما يريق الدمع بسبب مأزق سابزيان، كان مستغرقاً جداً بصفاء وإلحاح سينما وطنه إذ أن تكون مخملباف يعني أن تصبح جزءاً من النخبة من الرجال المسؤولين عن تعليم الناس الفن وبالنتيجة العالم.  قبل أن يسجل كيارستامي اعتراف سابزيان يسمح ويوضح استعمال عدسات التكبير. ربما تمر اللحظة فوق رؤوس القضاة والشاهدين لكن سابزيان وكياروستامي يشتركان في الاهتمام بالسينما وتقنياتها. ولقطة كياروستامي المكبرة في النهاية يجب أن لا تؤخذ فحسب كونها تسجيلاً للتاريخ لكن كمقياس للحقيقة من خلال حميمية الكاميرا وقربها. يعيد كياروستامي خلق لحظات من احتيال سابزيان ويجلّ تحول الرجل الحزين لكن النبيل إلى مخملباف. يركب سابزيان حافلة بعد لحظات من شرائه سيناريو لفيلم "راكب الدراجة" وبدلاً من أن يخبر السيدة أهنخاه من أين اشترى الكتاب يدعي أنه هو مؤلفه. إن فهم كذبته فورية: تسأل السيدة أهنخاه لماذا يتوجب على مخرج بهذه المكانة أن يستعمل ، فكان عليه أن يجلس في غرفة معيشة "آهنخاه" مع لقطة طويلة متواضعة حزينة كونها شاهده الوحيد. يتوقع سابزيان تماماً لحظة القبض عليه. في الواقع أنه تخيلها في رأسه. يدعوها "الاعتقال الأخير" : استسلام رجل كان احتياله هو جعل العائلة تذهب إلى السينما. إن أي مخرج سينمائي آخر قادر على نسج هذه القصة وتحويلها إلى شيء لامعقول تماماً. لكن كياروستامي بدلاً من ذلك يدرك الطبيعة السياسية المجردة لرجل يدعي أنه إنسان آخر كي يراه الجمهور ويسمعه. إنه يفهم لأن سينماه ( ولهذا السبب سينما إيران) هي التي أثارت سابزيان ودفعته إلى تلك الفعلة.  بالنسبة لسابزيان لا يمكن أن يكون ثمة صيغة أعلى من الغفران سوى تلقي العزاء من نفس الرجل الذي حاول أن ينتحل شخصيته.  وحين يقع بين ذراعي مخملباف الوديعتين كان على سابزيان مرة أخرى أن يتصارع من فقر أهميته. يسأله مخملباف:" هل تفضل أن تك

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"بغداد تثور"... مشاهد سينمائية ديناميكية من ساحة التحرير

أثار اهتمامي موضوع زوجات مقاتلي داعش فجسدت دور ربيعة

الفائزون في الدورة الـ75 لمهرجان برلين السينمائي الدولي

مقالات ذات صلة

سينما

"بغداد تثور"... مشاهد سينمائية ديناميكية من ساحة التحرير

قيس قاسم تطرح مُشاهدة "بغداد تثور" (2023)، للعراقي المقيم في النرويج كرار العزاوي، كغالبية الأفلام الوثائقية الراصدة حدثاً دراماتيكياً آنياً، السؤال الإشكالي نفسه: أينبغي التريّث والانتظار لتوثيقه، ريثما تنضج في ذهن السينمائي، المعني برصده،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram