سعاد الجزائريلا أتخيل أن أي عراقي يستطيع أن ينسى أو يمسح من تاريخ كرامته مشهد الجندي العراقي الراكع أمام الجندي الامريكي إبان اجتياح الجارة الكويت، حين شعرنا يومها، إن العراق بأكمله قد ركع، وان الاهانة لم تشمل ذلك الجندي بل شملتنا جميعنا، وما زلنا نحمل آثارها، رغم كثرة الاهانات والإذلال المستمر الذي نعانيه ما قبل 2003 وما بعده، وحتى هذه اللحظة.
ربما لسوء حظ ذلك الضيف القابع في سيارته السوداء وخلف زجاج معتم أن أكون في المكان نفسه أمام مدخل فضائية العراقية، وبالتحديد قرب اللافتة التي وضعها المسؤولون في كل سيطرة (الكل يخضع للتفتيش)، ويبدو أن المقصود بذلك فقط المواطن المجرد من كل أنواع الأسلحة عدا سلاح ضعفه وحزنه وقهره المستمر، وليس المسؤول المحصن بطوق من أجساد الجيش أو رجال الشركات الأمنية، الذي يبدو الواحد منهم لشدة ضخامته وكأنه كتلة كونكريتية.لسوء حظ ذلك المسؤول إني كنت في تلك اللحظة هناك، حينما انهال مجموعة من العسكر على جندي يقف مع زملائه لحراسة هذه المؤسسة، التي تعرضت لمحاولات تفجير أكثر من مرة، لقد انهالوا عليه، وكانوا يتسابقون في كثرة الضرب لجندي شاب أمام أعين الناس وأمام عيني، لأنه أراد أن يفتش سيارة المسؤول المجهول، والقابع داخل سواد سيارته وزجاجها، ضربوه وأهانوه ليثبتوا ولاءهم للمسؤول الذي سود وجه العراق، ولم يثبتوا ولاءهم لوطنهم الذي يرمز له بلباسهم العسكري، والأسلحة التي يحملونها دفاعا عنه، وتغيرت المعادلة ومفهوم هذا الدور حينما وجهوا فوهات هذا السلاح إلى ذلك الشاب المسكين.هذا الجندي، المطلوب منه ان يؤدي واجبه حينما أراد تفتيش السيارة، تنفيذا والتزاما بمضمون القطعة التي وضعها المسؤولون، لكي يوهمونا أنهم يخضعون لنفس عمليات التفتيش، ونتيجة لالتزامه بواجبه ضربوه على رأسه، ودفعوه بمنتهى الإهانة من ظهره، مرة إلى مصفحة عسكرية (كتبت رقمها عندي) ووضعوه داخلها، ثم عادوا وأخرجوه، وهم يواصلون الضرب والدفع باتجاه استعلامات المؤسسة، لا لذنب، سوى انه يقوم بواجبه كما أوصاه القائد العام للقوات المسلحة، لان إخلاله بهذا الواجب، سيعرضه للطرد من عمله أيضاً. الاهانة التي وجهت لهذا الجندي، هي اهانة لسلطة القائد العام للقوات المسلحة، وفوق كل ذلك اهانة للعراق، الذي يعتبر هذا الجندي رمزا له، ولهذا السبب تذكرت المشهد الذي كتبت عنه أعلاه، لكن الفرق بين المشهد الأول والثاني، إن الجندي الأول أهين من قبل جهة ليست عراقية، ونتيجة قيامه، بأمر من القائد العام آنذاك، صدام حسين لاحتلال الجارة الكويت، وقد ركع آنذاك لأنه واجه جوعا وعطشا لأيام، بعدما تخلت عنه قيادته العسكرية وتركته وحيدا في الصحراء، لكن جندي العراق الديمقراطي، الحارس للفضائية العراقية، أهين لأنه يؤدي واجبه، وبضمن هذا الواجب حماية المسؤولين، وتفتيش كل من يدخل المؤسسة كما أوصت القيادة العليا بذلك، حتى المسؤولين أنفسهم، إلا إذا كانوا قد استثنوا أنفسهم من هذا التفتيش ضمنيا، وكأننا قد نسينا التفجير الذي تم داخل البرلمان، أو تفجير وزارة الخارجية، الذي تم بعلم وبمساعدة بعض المسؤولين، إن لم يكن بتخطيط منهم.حينما يهان الجندي بسبب أداء واجبه، ما الذي يتبقى من قيمة للمسؤول عن حماية الوطن الذي بسبب رجاله وعنجهيتهم أهين العراق، لان الجيش كما عرفناه من الصغر (كرامة وسور للوطن).ملاحظة: استطيع أن أزود الجهات المسؤولة بتاريخ الحدث ورقم المصفحة التي دفعوا إليها الجندي المسكين، الذي اشك انه سيؤدي واجبه بالشكل الأمثل في الأيام المقبلة.
إلى القائد العام للقوات المسلحة..رجالك أهانوا الوطن
نشر في: 17 يونيو, 2011: 07:48 م