باسم عبد الحميد حمودي
حين زارنا الاستاذ زهير احمد القيسي (المدى) وجدت الفرصة مناسبة لعناقه والطلب اليه ان يجيب على اسئلة تتعلق بمسيرة حياته الحافلة الكثيرة التفاصيل، فقد ادرك زهير الثمانين، او كاد وهو شديد الحيوية والتألق برغم مرضه، ها انا ذا ادعه يحكي لكم فصولاً من تاريخ حياته.
السؤالات التي توجه لي بها الاستاذ باسم عبد الحميد حمودي ذكرتني بسؤالات نافع بن الازرق! ومع هذا التذكير فأنا معتاد على هذا الطراز من الاستجواب الذي ألفته خلال عملي الصحفي الطويل المدى الذي استغرق 60 عاماً من حياتي! اين ولدت ومتى قلت الشعر ومتى احترفت الصحافة وماهو كتابك الاول الخ .
وهي اسئلة متوقع ان تأتي من استاذ خبر العمل الثقافي والصحفي لدهر طويل فلا عجب ان اسارع الى الاستجابة لها مع ان "المدى" لها موقع أثير في نفسي لما تنطوي عليه ـ نفسي ـ من امتنان وشكران لمن يقف على رأسها وهو الاستاذ فخري كريم الذي حقق لاول مرة في تأريخ الصحافة العراقية انجازات الصحافة العراقية إنجازات للثقافة جديرة بالاكبار والتقدير فلهم جميعاً شكري: (المدى)، فخري كريم وباسم عبد الحميد وعلاء المفرجي وابتسام عبد الله وغادة العاملي وغيرهم من الذوات الذين شملوني بلطفهم حتى الفتاة اللطيفة التي قدمت لي كوب شاي!
العيواضية..هي البدء :-
لعل البغدادي القديم لايجهل محلة العيواضية او العلوازية الكائنة في رصافة بغداد فهي اشهر من ان يُعرَّف بها فهي كانت الحي الارستقراطي في بغداد منذ اوائل عهد قيام المملكة العراقية في عشرينيات القرن العشرين حتى سقوط النظام الملكي عام 1958. وموقعها هذا كان امتداداً لموقعها القديم عندما كانت حي الارستقراطية البويهية ثم السلجوقية باسم حي المخرم وتفصيل ذلك في كتاب عبد الجبار عبد الله (محلتان في بغداد) الذي يجد فيه القارئ شخصي الضعيف وراء سطوره وبين طوايا صفحاته! في هذا الحي ولدت أنا، ولم أعتد الاستعاذة من "أنا" إذ يخلو تراثنا من ذلك! وكان ذلك "الحدث" قد وقع في اوائل الثلاثينيات من القرن السابق! وفيها أبي أنجبني في المخرم ـ العيواضية عشت 54 عاماً قبل ان ألوذ بالمنفى المسمى "الغزالية".
**السياب قدمني للجواهري:-
يبدو ان عملي في الصحافة كان ضربة لازب. قدرية منذ ان كنت في الصف الخامس الابتدائي عندما عملت نشرة حائطية باسم "الزهور" وكرت السنون فاقتحمت هذا المخنق في اللحظة التي قدمني فيها الشاعر بدر شاكر السياب الى محمد مهدي الجواهري عام 1950 قائلاً: ـ صحفي وشاعر شاب اسمه زهير احمد القيسي ! فشعرت بالخجل من صفة الصحافة والشعر امام الجواهري العظيم. ثم عملت معه في صحيفته او جريدته " الجهاد مع ابنه فرات في مطبعة بائسة بزقاق بائس من محلة الميدان انا التقط الاخبار من راديو هرم للصفحة الاولى من الجريدة.
إلى الجبهة الشعبية :-
لم أقبض من الجواهري الا افلاساً حمرا لاتكفي حتى لشراء علبة سكائر لوكس.. ثم قدمني صديقي واستاذي رشيد ياسين الى عبد الرزاق الشيخلي احد اصحاب جريدة "الجبهة الشعبية" المعارضة لحكومة نوري السعيد أو من يتستر وراءهم نوري السعيد فعملت صحفياً ، مخبراً محلياً في هذه الجريدة واستحصلت اول هوية صحفية لي من مديرية الدعاية والتوجيه آنذاك ومن ادارة الجريدة تلك وهي لاتزال عندي تحمل تأريخ عام 1950.
أقدم صحفي عراقي حيَ:-
وربما كنت بها اليوم اقدم صحفي عراقي على قيد الحياة.. ثم تتالى عملي كحصفي واستمر فمن الجريدتين اللتين ذكرت اسميهما إلى "الثبات" و "الحديث" و"الشعب" و"البلاد" و"الاسبوع" و"الاخبار" الى وكالة الانباء العراقية" و" وكالة انباء الشرق الاوسط" المصرية الى "البلد" و"المنار" و"الف باء" و"الجمهورية" والقائمة تطول.
جعفر الخليلي أول من رحّب بنتاجي:-
لكل من هذه الاسماء وجهها الثقافي والشعري والقصصي ، وربما السياسي المعلن أو المستور ايضاً. انا بدأت نظم الشعر في اواخر الاربعينيات وبدأت انشر في الجرائد والمجلات قصائد غزلية او وطنية "يطول الحديث عنها" وكان ممن رحب بنتاجي الاولي الاستاذ جعفر الخليلي صاحب "الهاتف" الرجل الكبير بثقافته ووعيه وموقعه "انه بحاجة الى كتاب كامل عنه" والاستاذ خالد الدرة صاحب "الوادي".
الانكليزية:-
كنت مولعاً بالانكليزية وبتعلم اللغات واميل الى اللغات السامية المندثرة ، ولكن الاسهل منها هو الانكليزية. انا طورت لغتي الانكليزية بالكتب والافلام السينمائية ودراستي في كلية بغداد بإشراف الآباء المسيحيين الجزويت اليسوعيين الامريكان ولافضل لمعلم او كلية في هذا الباب عليّ وانتهيت الى ترجمة "الالهة البيض العظام" عن ادوارد ستوكيين "الالماني" في قرابة (900) صفحة وغيرها كثير مما لم يطبع.
القيسي.. وقرندل! :-
الخ .. وعندما صار للشطرنج "نادي" واتحاد بجهودي وبلع الانتهازيون اللقمة الدسمة تناسوا زهير احمد القيسي ولم يذكره احد منهم لئلا يشاركهم في اللقمة التي اثبت انه لايسعى اليها
حفنة من الاغبياء ينعمون بالسفرات والمكاسب باسم الشطرنج الذي لولا برنامجه التلفزيوني عنه لبقي في داخل ظلمات مقهى حسن عجمي ولا وصل انتهازيون مثل (ع) الى نيس وروما ولظلوا في اهوار الغمكة ومجاهل بساتين بهرز بينما ظل قرندل (زهير احمد القيسي) الذي يدق الكبة وحده ولايأكل منها مع الآكلين فلا سلام عليكم ياحفنة اتحاد الشطرنج العراقي الذي شكله زهير احمد القيسي وعبد الجبار الشطب ثم انزويا في العتمة لان هؤلاء يكرهون الكفاءة والعلم والثقافة ويعتبرون الشطرنج قماراً كالازنيف والسي ورق ولانقول لهم سوى: أين انتم من القيسي؟ قولوا لهم فقط: من الصولي ومن التلمساني؟ انهم لايعرفون هذا فقط لإظهار جهلهم.
انعرفت بالشعر :-
نعود لمسألة الشعر، فبه ابتديت وبه انعرفت ولم اختف عن عيون شياطينه طول حياتي. جمعت ما استطعت منه بعناية صديقي الشاعر الكبير عبد الصاحب ياسين في ديوان "اغاني الشبابة الضائعة" بعد ان اجريت قلمي تغييراً وحذفاً واضافة لكي (يرهم) على مواصفات نظام صدام ولكن بسهولة يمكن اعادة ماتغير منه ورده الى اصله فهو منشور في الصحف والمجلات ومبثوث في ثنايا الكتب والقواميس الادبية كموساعات البابطين والمطبعي والاعرجي وسواها ومثل قصيدتي "ايار53" و"18 حزيران" وهو تاريخ مذبحة السجناء السياسيين في بغداد عام 1953 الرديء.
**جمع نتاجي الشعري يفوق قدرة الفرد:-
ولمن شاء ان يبحث عن تلك التواريخ ان يتحلى بالصبر والجلد فنتاجي الشعري يفوق قدرة الفرد. اما ما بعد اغاني الشبابة_والشبابة هي المزمار الرعوي لإله الرعاة بان) فهي ديوان الزاد والطريق وفيه الكثير من الشعر من قصيدة تقدير لمحمد بهجة الاثري الى الأهاجي البذيئة على نمط ابن الحجاج وابن سكرة والقصائد التي تتمنى ازاحة الطاغية عن عرشه الى الشكوى المرة من الفقر والعوز الى التحريض على ثورة الجياع وقيام نظام العدل الشامل الى هجو غورباشوف وشتمه..والحديث يطول.
احب من اعمالي حباً جماً كتاب (باتوخان) تأليف فاسيلي بان وهو نصف روسي نصف صيني يحسن 10 لغات حاز مؤلفه جائزة ستالين لآداب عام 1945 وربما كان هذا هو السبب في ان دار الشؤون الثقافية رفضت طبعه لأنها تخاف من شبح ستالين المرعب حتى بعد موته بنصف قرن!
**السجنجل :-
من مصنفاتي العزيزة كتاب ضخم اسمه (السجنجل) وهي كلمة بمعنى المرآة وردت في شعر امرئ القيس ، جمعت فيها ماتيسر من الكتابات التي تناولت شخصي الضعيف بالعرض والنقد والثناء والهجاء، منهم: عبد الجبار البصري وعدنان الراوي وعبد الخالق فريد وعبد الكريم الآلوسي ومحمد صادق حسن وعبد اللطيف الراشد وجمعة اللامي وهذا الكتاب هو الموسوعة الادبية الشاملة للادب العراقي الحديث في النصف الثاني من القرن العشرين وهناك العشرات من الاسماء الاخرى، هل اقوى على سردها كلها؟ اهم المقابلات التلفزيونية والاذاعية المسهبة معي كانت قطار العمر لمجيد السامرائي وكتب عنها عبد الحميد العلوجي سلسلة مقالات واخرى مع عبد الستار جواد وماجد السامرائي وغيرهم ولا اذكر اسماءهم الآن.
أديت دور مصطفى جواد:-
كما اشير الى مسلسلة جميل الجبوري عن (مصطفى جواد) وهي اذاعية اديت فيها بصوتي شخصية مصطفى جواد العظيم وصوتي كصوته وهو شيخي واستاذي ومحبوب قلبي.
أتقدم إلـى فخري كريم :-
لا حيلة لي سوى ان اتقدم لفخري كريم هكذا بلا ألقاب اذ احسب انه قادر على طبع كتبي من دون ان يخشى لا من عمامة ابن طرنوبة ولا من شبح ستالين، وبالمناسبة (ابن طرنوبة) عنوان كتاب لي يسخر من المتعنقرين باللغة الجهلة بالثقافة الحديثة ولي كتاب آخر عن (الحجاج بن يوسف) ربما كانت به رؤية جديدة كما يقولون.
رمز ثقافي كبير وعالم في الأنساب العربية
رحيل الباحث والمؤرخ زهير أحمد القيسي
رحل امس الباحث والمؤرخ زهير احمد القيسي عن ثمانين عامافي مستشفى جيان في اربيل.ويعد القيسي من ابرز العلماء والباحثين في ذاكرة تراثية عن الانساب العربية، وهو صحافي واحد رواد الحركة الفكرية والثقافية في العراق منذ ستينيات القرن الماضي حين عمل صحافيا في مجلة "الف باء" ومنذ اعدادها الاولى
وكان باحثا كبيرا في تاريخ الشطرنج وشطرنجيا ساهم في تاسيس نادي الصولي للشطرنج وصار اول رئيس له، وله كتب عديدة في الشطرنج وحقق مخطوطة انموذج القتال في نقل العوال لابن ابي حجلة النلمسلني
ولد الراحل عام 1932 بمنطقة العيواضية، واشتغل بالصحافة والادب والتأليف مع عمالقة الادب والفكر والفن والرياضة ، وكان يهوى العمل الصحفي وهو في دراسته الابتدائية.
وقد حظي باهتمام خاص من مؤسسة المدى ورئيسها الاستاذ فخري كريم وقد اقامت له هذا العام حفلا تكريميا كبيرا في بيت المدى في شارع المتنبي يوم 20 /1/ 2012اضافة الى اصدار ملحق عراقيون عنه.