إحسان شمران الياسريلم نَعُدْ نُطيق صبراً في السكوت والإعراض عن المُشكل الوطني المتمثل بالشتائم المتبادلة والتخوين غير المسبوق بين أرفع القيادات الموجودة في بلادنا..وحتى سكوت البعض لا يعدو ان يكون شتيمة لغير الساكتين.
إن أحداً لا يترحّم على الدكتاتورية وجرائمها واستهانتها بالصوت الآخر، فهي كانت تسحق المعارضين والمتطاولين على رموزها وعلى كل من يقول (نكتة) بحق النظام ورئيسه، ولكنها أيضاً لم تكن تسمح بالمهاترات والشتائم والتخوين بين أبناء المجتمع والسياسيين والمسؤولين.. وكان هذا، في جانب منه، يُريح المجتمع ويجعل عينه على هدف واحد وعدوّ واحد وحذر من جانب واحد. أما اليوم، فلم نَعُدْ نعرف من هو الوطني ومن هو الخائن، ومن هو المُخلص ومن هو المستهتر. حتى اننا، في الدين الحنيف، لم نَعُدْ نعرف أين هي النواميس التي قصدها رب العِزّة اذ شرَّع وارسل الانبياء والرسل.فباسم الله تعالى نَزَلَ رجال دين الى الساحة السياسية وصاروا وزراء ومُشرّعين ورؤساء مجالس محافظات ومحافظين وسفراء. وباسم الله تعالى ذََبَحْتْ القاعدة الشيعة لأنهم رافضة، وذبحت السُنة لأنهم لا يؤمنون بالسلفية، وذبحت المسيحيين لأنهم لم يدفعوا الجزية. ولم تََطُل اليهود لأننا هجّرناهم عام 1948 بعد النكبة مباشرة.وباسم الدين، نتحدث عن النبي الذي قََبِِلَ الهدية، فنأخذ الرشى ونُحوّل المال العام الى مال خاص.. وباسم الدين نَسُبُُّ الآخر ونلعنه. وباسم الوطنية نتبادل اللكمات في الفضائيات وفي حرم البرلمان. وباسم العراق الجديد نوقِف الحكومةَ عند حدها ونُقيّد أيديها وأرجلها ونُعلّق أعمال وزرائنا فيها.. وباسم المسيح عليه السلام نترك الوطن هرباً من الموت.ومن أجل هذا وسواه، لم نَعُدْ نُطيقُ صبراً من لغة رخيصة، وعادية حد الفزع..ومن أجل هذا لم نَعُدْ نطيقُ صبراً من رؤية السياسيين وأشباههم وهم يضعون العلم العراقي خلفهم ويُصرّحون ويشتمون.. وكأن العراق حقيبة يحملها الادعياء فيفتحونها عند أول فرصة ويُخرجون منها العلم العراقي ويضعونه على الطاولة ثم يبداْ فصل (التسامح) العراقي العتيد!!ويوما جلستُ مع زملائي في أحد مطاعم عمان وطلبت مشويات. وعندما تأخرتْ أكثر مما يجب، بدأتُ (لأني صاحب الدعوة) بـ(الدردمة) ورفع صوتي، وكيف أننا تورطنا في هذا المطعم (التعبان)، وكان خير لنا ان ندفع ثمن (الزلاطة) ونغادر، الى آخر ما يصدر منا عندما ننسى أنفسنا ونعتقد أننا نملك المطعم وصاحبه! وبعد ان أتينا على آخر الاطباق وهممنا بالمغادرة، شعرتُ بتأنيب الضمير، فحاولت الاعتذار من العامل الذي كان يخدمنا، وتطييب خاطره.. ولكن العامل، وكان عراقيا، لم يُجبني، بل قال حكمة أرجو أن يتصرف وفقها السياسيون: فقد قال بعد أن أنهيت كلامي بابتسامة لا معنى لها بالنسبة له:ـ إحنه جسر للطيبين!!!! ثم استدار ورجع الى عمله.يعني: ادفع الحساب وشوّفنا عرض إچتافك بدون لغوة زايدة!!
على هامش الصراحة: الصـبر يا رب!!
نشر في: 18 يونيو, 2011: 05:34 م